قبل ثلاث سنوات خلت بدا الوضع بأن رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما يحقق تقدماً في تحسين علاقات بلاده بروسيا، وهو أمر لم يحققه رئيسان أميركيان سبقاه هما بيل كلينتون وجورج دبليو بوش، الأمر الذي بدا وكأنه بداية مشجعة لتحقيق ذلك. وقد انتهجت إدارة أوباما نهجاً سمته «إعادة الصياغة» عندما تولى أوباما السلطة عام 2009، ما نتج عنه عدد من الاتفاقيات وأوجه التعاون التي خدمت مصالح كلتا الدولتين. وفي سياق ذلك حدثت تطورات مفصلية شملت مواقف روسية مؤيدة للولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي، كفرض المزيد من العقوبات المشددة على إيران بسبب برنامجها النووي، ومشاركة روسيا في تأييد سياسة الولايات المتحدة في أفغانستان، ومعاهدة «ستارت الجديدة» التي تنادي بتخفيض الترسانات النووية الهجومية، واتفاقية التعاون حول الاستخدامات المدنية السلمية للطاقة النووية. ولكن قمة الهرم الخاصة بإعادة الصياغة وصلت إلى ذروتها واستدارت مع نهاية عام 2010 بعد أن صادق مجلس الشيوخ الأميركي على معاهدة «ستارت الجديدة». وفي عام 2011 وضعت إدارة أوباما هدفين رئيسيين لسياستها الخارجية تجاه روسيا هما الاتفاق على التعاون حول الصواريخ الدفاعية وطريقة وأماكن نشرها في أوروبا، وحصول روسيا على عضوية منظمة التجارة الدولية. وبالفعل انضمت روسيا إلى منظمة التجارة الدولية في ديسمبر 2011. وفي الوقت نفسه حدثت تطورات غير متوقعة لاحقاً، فقد تعمق الصراع في سوريا، وكثف حلف شمال الأطلسي من تغلغله في شرق أوروبا، وازدادت تحركات المعارضة ضد بوتين في داخل روسيا، وتفجرت المشكلة الأوكرانية بشكل عنيف. وتلك التطورات وغيرها في العديد من مناطق العالم ألقت بظلالها السوداء على العلاقات بين الطرفين، وأظهرت بشكل واضح أهمية العلاقة الاستراتيجية بين روسيا والصين. وفي الوقت الذي تشعر فيه روسيا بالامتعاض من سياسات الولايات المتحدة التي تمس مصالحها في أوكرانيا وجورجيا وغيرها من الجمهوريات الواقعة على الحدود الروسية، وبشكل أكبر من قبل رغبة وجموح الولايات المتحدة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى التي توجد لموسكو مصالح فيها، فإن الرئيس بوتين كان يردد دائماً عبارته الشهيرة بأنه يكن احتراماً كبيراً لقوة الولايات المتحدة ومصالحها كقوة عظمى. وقد اتضح ذلك من خلال العديد من المواقف التي اتخذها، فهو يردد دائماً أنه يثق في قدرة وحكمة الولايات المتحدة السياسية لاتخاذ المواقف البناءة التي تحفظ السلام العالمي. وبالتأكيد أن هذه النظرة الإيجابية لا تنطلق من فراغ ولكنها نمط من الغزل السياسي الذي يريد بوتين من خلاله تحقيق مصالح روسيا باستخدام الدبلوماسية الناعمة، وهو أمر لم يدم طويلاً عندما تفجرت المشكلة الأوكرانية وقلبت الأمور رأساً على عقب. والآن يبدو الأمر وكأن بوتين على يقين بأن لدى الولايات المتحدة القدرة على إحداث التغيير في كل مكان أكثر مما تفصح عنه مجريات الأمور على أرض الواقع، أو حتى رغبة الولايات المتحدة ذاتها لإحداث مثل هذه التغيرات. ولكن ما يثير الاستغراب وعلى نقيض حديث بوتين عن قدرة الولايات المتحدة هو أنه يشاطر النخبة السياسية الروسية في نظرتها التشككية العميقة فيما يتعلق بتطلعات وممارسات الولايات المتحدة الخاصة بنشر الديمقراطية في الدول ذات الأغلبية السكانية الإسلامية. إن هذه المنظومة العقلية تم تأكيدها من خلال قيام الإدارة الأميركية بالتخلي عن تحالفها الطويل مع الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في صالح وصول «الإخوان المسلمين» إلى السلطة في مصر، وهو موقف لا زال يحير العديد من المراقبين السياسيين، ويفصح عن عدم إدراك لما يمكن أن يتسبب فيه «الإخوان المسلمون» من أذى على المدى الطويل في جميع الدول العربية.