كان الاحتفال بيوم اللغة العربية هذا العام مميزاً بمعنى الكلمة. فمندوب المملكة العربية السعودية بصفته رئيساً لبرنامج «أرابيا» الذي يهتم بالثقافة العربية استطاع أن يقدم الاحتفالية ببراعة ثقافية تفوق من سبقوه في تولي رئاسة البرنامج وأنا واحد منهم، ونجاحه كان نجاحاً لنا جميعاً. وكالعادة نلتقي في صالونه الثقافي، ونناقش بعضاً من رجال الفكر والسياسة في قضايا مختلفة، وقد التقينا مجموعة مميزة كان منها وزير خارجية المغرب الأسبق محمد بن عيسى الذي جسد الوضع العربي بقوله: إن التغيير في الشكل وليس في الموضوع. وهذه الجملة القصيرة تحتوى على معانٍ كثيرة، حيث إن الأحداث تتسارع في المنطقة العربية، وتناولها يبقى على حاله! وربما كان يميل إلى التشاؤم بقراءتة المستقبلية للوضع العربي. ولما تعمقنا بنقاشنا وجدنا أنفسنا نتفق على أن العلة ثقافية، وأنه لا يمكن للتغير أن يأخذ مجراه إذا ما كانت العقول خاوية، ولا تؤمن بفكرة المشاركة واحترام النظام العام. وبدوره المفكر العربي مصطفى الفقي كان أقل تشاؤماً، ويرى الأحداث بمنطق التاريخ الإنساني، وكأنه يقول إننا لا نعيش خارج منطق التاريخ، ونحن العرب لسنا استثناء. وأما «مؤسسة الفكر العربي» التي أسسها الأمير خالد الفيصل فكانت مساهمتها في تحليل حدث ما سُمي «الربيع العربي»، فقدمت لنا مجموعة من الأفكار في إصدارها الجديد الذي حلل هذه الظاهرة. وعلى الرغم من تعدد وجهات النظر في فهمنا لتسارع الأحداث، وجدنا أنفسنا نغوص في فهم مغزى التحديات التي خرجت علينا وكأنها المطر الذي يتساقط من السماء، واتفق الجميع على أن الطبخة معقدة وأن ما يخرج لنا إعلامياً لا يخرج عن تعقيدات هذه الطبخة وخصوصاً أننا لا نشارك الطباخين، وكأن دورنا يقتصر على أكل ما يطبخ لنا فقط. وقد أجمع العالم على أن عام 2014 هو عام تفاقم خطر الإرهاب، ويبدو أن هذا التحدي قد يرافقنا لعقود قادمة، ولا خيار أمامنا إلا أن نحاول فهمه ضمن آليات عقلية جديدة، وهذا ربما مطلب يصب في خانة الخيال، حيث إن بناء العقول مهمة صعبة، وما زال العرب يتصارعون على قضايا تخرج عن منطق العقل، وصراعهم يقود إلى مزيد من الضعف الذي ابتليت به الأمة العربية. لقد كتبت هنا في صحيفة «الاتحاد» عن ظاهرة «الحرب الإعلامية» لاقتناعي الراسخ بأننا ما زلنا نخوض المعركة بأدوات قديمة، فجاء الاتحاد الأوروبي بفكرة مواجهة موضوع الإرهاب -الذي تفاقم مع «داعش»- بحرب إعلامية، حيث المعركة التي يقودها الحلفاء ما زالت متعثره في ضرب الأذرع الإعلامية لجماعة «داعش» الإرهابية التي نجحت إلى درجة معينة في تحقيق بعض من أهدافها، وأخطرها التغرير ببعض الشباب، سواء المسلم أو غيره، للزج به إلى ساحة المعركة. والغرب يرى أن الفكر المتطرف و«الجهادي» يشكل أحد أكبر التحديات التي يواجهها، وأن لا مفر من خوض مواجهات الفضاء الإلكتروني ضد الإرهاب، بينما ما زال العرب على عادتهم في فهم المتغيرات التي تحكم عالم اليوم. فتعدد المدارس الفقهية أو الاجتهادية غير محكوم بمرجعية ومعايير شرعية في بعض البلاد، مما يشجع الفوضى التي نعيشها، ويجعل من المتطرفين يغررون ببعض قاصري الفهم والوعي. والعالم تتسارع فيه المتغيرات الإلكترونية التي تفرض وجودها بقوة على المواجهات ضد الفكر المتطرف، ولا نعتقد أننا نملك التصورات المستقبلية في معالجة الخلل في خطابنا التربوي والإعلامي والديني، وهذا ما نتمنى أن تلتفت إليه الجامعة العربية، وتدعو إلى لقاء مصارحة، يشخص الخلل الحقيقي، لكي لا يسرقنا الوقت ونفاجأ بما هو أسوأ.