لقد اصطدمت الثورة المصرية مع «الإخوان المسلمين» في بداية المد الثوري في 1952 وفي بداية الانحسار الثوري في 1965. وقد حدث الصراع على السلطة حتى قبل الثورة عندما طلب عبدالمنعم عبدالرؤوف، المحسوب على «الإخوان»، انضمام حركة «الضباط الأحرار» إلى «الإخوان» بزعم تأمين الجماعة لحياة الضباط ومستقبلهم في حالة فشل الثورة! ولما رفض ناصر لأن الوطنية لا ترهن بموضوعات شخصية استقال عبدالمنعم عبد الرؤوف قبل الثورة بعدة أشهر من حركة «الضباط الأحرار». وفي أول يوم لقيام الثورة طالب الضابط أبو المكارم عبد الحي رئيس التنظيم «الإخواني» في الجيش أسلحة لتوزيعها على «الإخوان» بزعم تأييد الثورة ولكن رفض ناصر. ولم تحل الجماعة طبقاً لقانون حل الأحزاب، ولكن حدث الصدام بعد ذلك حينما رفض «الإخوان» الاشتراك في الوزارة إلا بشروط ثلاثة: الأول ألا يصدر قانون إلا إذا أقره «الإخوان»، والثاني لا يصدر قرار إلا إذا أقره «الإخوان» وكأنهم دولة داخل الدولة المصرية!. وقد رفض ناصر هذين الشرطين لأن الثورة ترفض أية وصاية عليها. وهناك فرق بين الوصاية والتعاون. والثالث طلب «الإخوان» أن يفرض ناصر الحجاب وأن يغلق المسارح والسينما وأن يتحول إلى «حاكم بأمر الله» في حين أن ذلك موكول لرب كل أسرة، وهو شرط في ظاهره المزعوم تطبيق الإسلام وفي حقيقته أيضاً محاولة فرض الوصاية على الثورة. وهنا بدأ الصراع بين الثورة و«الإخوان». ومن هذا كان اتهام «الإخوان» بالأطماع الشخصية وبالحقد وبأنهم كانوا ضحية الحزبية البغيضة. حاولوا هدم الثورة من أجل السلطة مع أن الثورة أخرجتهم من السجون وحققت للجميع العزة القومية. خدع «الإخوان» الناس باسم الدين وعادوا ثورة يوليو 1952 وأصبحوا يمثلون العهد البائد. وحاولوا احتكار تفسير الدين ووقعوا فريسة التعصب وتآمروا ضد رجال الثورة الذين يعبرون عن أماني الشعب. فالثورة تمثل شعب مصر، ولا يمكن ترك الإسلام حكراً على فئة تتستر وراءه للخداع والتضليل وانتهاز الفرص لتحقيق مكاسب سياسية رديئة. ولذلك كوّن «الإخوان» جهازاً مسلحاً للانقضاض على الحكم رغم ما يرفعونه مكراً من شعار الديمقراطية الزائف. لقد أقامت قيادة «الإخوان» نظاماً سرياً ليست مهمته مقاومة الإنجليز والاستعمار بل للتآمر على حكام مصر الوطنيين وللوقوف ضد الشعب وللسيطرة على الجيش والشعب والشباب وللقيام بعمليات إرهابية للقضاء على الحياة الديمقراطية في البلاد. وكما هادن «الإخوان» القصر هادنوا أيضاً الإنجليز واتصلوا بمستر «إيفانز» المستشار الشرقي للسفارة البريطانية. وقد كان ناصر في حقيقة الأمر يعلم بأمر هذه المفاوضات. كان رجال الثورة في الحكم وما زالوا في البحث عن سند شعبي. وإذا كانت قيادات «الإخوان» قد سجلت أسماءها في سجل التشريفات واعتبرته «ولي الأمر» ولم تعارض أخطاء الملك فإن الملك كان يعتبرهم ألد أعدائه. وقد كانت إذاعات إسرائيل تروّج لهجوم «الإخوان» على الثورة، وكان الحلف الاستعماري يؤيدهم كذلك. وقد بلغت المواجهة قمة المأساة في حادث المنشية بعد الصراع حول اتفاقية الجلاء. وللحقيقة والتاريخ أن اتفاقية الجلاء كانت تمثل أقل من المطالب الوطنية إذ كانت تسمح بعودة قوات الاحتلال إلى قناة السويس في حالة الحرب. ولم يتحقق الجلاء بالفعل إلا بعد تأميم قناة السويس في 1956. وقد أخذ ناصر عليهم أسلوب الاغتيالات والتغرير بمحمود عبداللطيف وأمثاله من الفقراء الذين يدافع عنهم ناصر. كما أخذ عليهم الغدر بعد تعاونهم معه وإيثارهم نجيب عليه. والإسلام كما هو واقع من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يقضي باتفاق الظاهر والباطن، السر والعلن، «وذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً». قال تعالى: (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ، وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ). لقد كان صراع الثورة مع «الإخوان» في الخمسينيات والستينيات لحظة خسر فيها «الإخوان» فرصة فهم التفسير الثوري للدين الذي كان يمثله رجال الثورة، وضاعت الوحدة الوطنية من أجل الصراع على السلطة، وكأن السلطة وإقحام الدين في السياسة ضرورة لإحداث أي تغير اجتماعي شعبي في مستقبل مصر.