تُعتبر اليابان واحداً من أغنى وأكثر بلدان العالم تقدماً من الناحية التكنولوجية، كما أن صعودها إلى وضع القوة العالمية يظل واحدة من أكثر القصص إذهالًا في تاريخ العالم الحديث لدرجة دفعت الكثيرين إلى تسميته بـ«المعجزة اليابانية». واليوم، باتت إمبراطورية الشمس المشرقة تلك هي ثالثَ أكبر اقتصاد عالمي من حيث الناتج المحلي الخام، وخامسَ أكبر مصدِّر في العالم -وإن كانت تعتبر أيضاً خامس أكبر مستورد في العالم. وعلى رغم أن اليابان تخلت رسمياً عن حقها في إعلان الحرب عقب الحرب العالمية الثانية بموجب دستورها الجديد، إلا أنها تمتلك جيشاً حديثاً تُعتبر ميزانيته هي ثامن أكبر ميزانية في العالم، ويُستعمل في الأساس لأغراض الدفاع الذاتي وعمليات حفظ السلام عبر العالم. وعلاوة على ذلك، تحتل اليابان مراتب متقدمة على سلم الرخاء والازدهار مثل مؤشر التنمية البشرية، حيث يتمتع اليابانيون بأعلى أمد حياة مقارنة مع أي بلد آخر في العالم، بينما يعد معدل وفيات الأطفال فيها هو ثالث أدنى معدل في العالم. غير أن الطريق إلى هذه النجاحات لم يكن طريقاً سهلًا أو مفروشاً بالزهور. كما أن الكوارث العسكرية، والأزمات السياسية، والاضطرابات الاقتصادية، ظلت تطل برأيها على إمبراطورية الشمس المشرقة من حين لآخر منذ العهد الإقطاعي إلى الوقت الحاضر. واليوم، بات يُنظر إلى اليابان باعتبارها قوة سابقة أفل نجمها بالنظر إلى اقتصادها الآخذ في التباطؤ، وسكانها الذين يعانون من الشيخوخة، وحياتها السياسية المستقطبة، هذا إضافة إلى مشهد اقتصادي لا يخلو من أعطاب. كما أنه على رغم من أن اليابان يفترض أن تكون هي أقوى حليف للولايات المتحدة في منطقة آسيا- المحيط الهادي، إلا أنها اختفت بشكل شبه كامل من شاشات الرادار الأميركية خلال السنوات الأخيرة. وأخذاً لكل هذا في عين الاعتبار، يضع تاغرت ميرفي، الخبير في الشؤون اليابانية، في كتابه «اليابان وأغلال الماضي»، المشاكل الحالية لليابان في سياق تاريخي منتقلاً من العصور الإقطاعية الأولى إلى العصر الحديث الذي بدأ مع عودة الحكم الإمبراطوري في 1868 وصولاً إلى صعود اليابان كدولة حديثة في أوائل القرن العشرين. كما يقوم أيضاً بالمزاوجة بين تحليل الثقافة والمجتمع اليابانيين على مدى قرون، ودراسة الأنظمة السياسية المختلفة التي عرفتها اليابان، معيداً بذلك تشكيل فهم القارئ ليس لتاريخ البلاد فحسب، ولكن أيضاً لمكانتها في العالم المعاصر. وميرفي، أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي بجامعة تسوكوبا اليابانية ومؤلف العديد من الكتب والمقالات حول اليابان، يفرد حيزاً مهماً من مؤلفه لتاريخ العلاقات الأميركية- اليابانية وآفاقها. وفي هذا السياق، يروي أنه في 2009، وبعد قرابة نصف قرن من الحكم المتواصل تقريباً، تمت تنحية الحزب الديمقراطي الليبرالي أخيراً عن السلطة على يد الحزب الديمقراطي الياباني، القوة السياسية الجديدة في المشهد السياسي التي وعدت بعقد جديد مع الشعب الياباني وعلاقة جديدة بين المسؤولين المنتخَبين والبيروقراطية القوية في البلاد. ولكن عندما توجه يوكيو هاتوياما، زعيم الحزب ورئيس الوزراء الجديد، إلى واشنطن في أبريل الموالي، استُقبل بفتور لا تخطئه العين. أما السبب، فهو غضب واشنطن من تراجع هاتوياما عن اتفاق حول إنشاء قاعدة بحرية أميركية جديدة على جزيرة أوكيناوا. غير أن هدف هاتوياما في الواقع، كما يرى المؤلف، كان أكبر من ذلك بكثير، حيث كان يسعى لاستعادة السيادة التي فقدتها اليابان عندما تحولت إلى ما يشبه «محمية» للولايات المتحدة بعد 1945. وفي هذا الصدد، يكتب ميرفي قائلًا: «إن اليابان لا يمكنها أن تكون حليفة للولايات المتحدة -أو لأي بلد آخر- حتى تصبح أولًا دولة ذات سيادة». وحسب هذا الرأي، الذي يتقاسمه كثيرون على اليمين واليسار في اليابان، فإن اليابان تظل في الأساس بلداً تابعاً يعتمد دستورا كتبته الولايات المتحدة وتنتشر فيه القواعد العسكرية الأميركية. وعلى غرار هاتوياما، يؤكد المؤلف على ضرورة أن تصبح اليابان مسؤولة عن الدفاع عن نفسها، وأن تسعى وراء مصالحة جديدة مع الصين. محمد وقيف الكتاب: اليابان وأغلال الماضي المؤلف: تاغرت ميرفي الناشر: أوكسفورد يونفيرستي برس تاريخ النشر: 2014