أتوقع أن يحار المعارضون المدعوون للمشاركة في مؤتمر موسكو التشاوري المزمع عقده هذا الشهر في اتخاذ قرارهم بين الرفض والقبول، فإن هم رفضوا سيجدون مزيداً من الإهمال الدولي لقضيتهم التي تبدلت حولها مشاعر ومواقف الداعمين بعد أن اختطفت أهداف الثورة وشعاراتها الوطنية، وباتت التنظيمات الأقوى في الميدان هي تلك التي تطالب بدولة دينية وترفض الديمقراطية والمدنية، وقد أثر هذا التحول بغض النظر عن مسبباته وداعميه على الموقف العالمي الذي كان داعماً لثورة السوريين. وأحسب أن سبب الحيرة هو في احتمال كون الحضور خطأ سياسياً، والغياب خطأ كذلك، وعلى المعارضين أن يقوموا بدراسة دقيقة للسلبيات وللإيجابيات ثم يختارون أهون الضررين، وفي هذه الموازنة ستختلف الآراء، فمن قائل: إن روسيا دولة عظمى في العالم، وبيدها بعض مفاتيح الحل ومقاطعتها ستقطع على المعارضة طريق البحث عن دعمها في أي حل سياسي محتمل قادم، ثم إن الروس لا يدّعون أن لديهم مبادرة، وإنما هم يريدون إقامة حوار تشاوري بين مختلف الأطراف السورية كي ينهوا حالة القتال وينتقلوا إلى حالة الحوار. وإن روسيا التي شكلت الداعم الرئيسي للنظام عسكرياً تعبر اليوم عن منعطف في رؤيتها حين تبحث عن حل سياسي، وربما هي تريد أن تقدم للغرب قدرتها على حل ما عجز عنه الغربيون الذين أخفقوا في إيجاد حل في مؤتمر جنيف، وعلى المعارضين الغرقى في فوضى ما يحدث في سوريا أن يتعلقوا بما تقدمه روسيا حتى ولو كان القشة التي يتعلق بها الغريق. وعلى الطرف الآخر سنسمع من يقول إن روسيا تريد أن تنقذ النظام، وهي تبحث عن تسوية تستغل بها حالة الضعف التي تمر بها ثورة الشعب السوري، وتفيد من تشتت المعارضة وتمزقها، ومن برود المواقف العربية والغربية، لتعيد تأهيل النظام، عبر فتات مما ستعرضه على المعارضة من مواقع غير ذات شأن في حكومة انتقالية متوقعة يسيطر فيها النظام على مواقع القوة العسكرية ويمنح لمن سيختاره هو من المعارضة شؤوناً خدمية مقابل إنهاء الثورة وعودة الشعب إلى الحظيرة. وسيذكّر الرافضون بالطريقة الاستعلائية التي تدعو فيها روسيا شخصيات المعارضة للحوار، فهي تتجاهل مؤسساتها وهيئاتها ومنظماتها، وتشخصن المعارضة بمن تختار هي من المدعوين، وسيكون القبول بذلك تراجعاً عن مكسب كبير حققته الثورة في الاعتراف الدولي بكون الائتلاف ممثلاً للشعب السوري، وهي لحظة تاريخية لا تتكرر. كما أن الدعوة الروسية تخلط المعارضة التي صنعها النظام مع المعارضة التي صنتعها الفاجعة، وترفض مناقشة الموضوع الأهم في البحث عن الحلول -وضع رأس النظام- ويخشى الرافضون أن تكون هذه الاجتماعات مناسبة لدفن ما التزمت به الأطراف الدولية في وثيقة جنيف في احتمال اعتبار ما سيتوصل إليه المعارضون المنتقون مع ممثلي النظام وثيقة بديلة تتجاوز ما تم تحقيقه عبر قرار مجلس الأمن. وربما تكون الدول الغربية التي كانت داعمة للشعب السوري مستعدة لمباركة تجاوز مبدأ جنيف بما يعفيها من التزاماتها السابقة، وقد أشاحت بوجهها عن هذه الالتزامات عملياً. كما أن الولايات المتحدة لم تعد معنية من الملف السوري سوى بالتحالف لمكافحة الإرهاب وهو تلبية لما طرحه وفد النظام في جنيف وجعله أولوية تؤجَّل من أجلها قضية الشعب السوري المشرد، وتصير قضية إنسانية معلقة لبضع سنين ريثما تنتهي الحرب على الإرهاب، وقد يموت أثناء ذلك مئات الآلاف من السوريين لأن الحرب تدور على رؤوسهم. ويبدو أن روسيا غير معنية بمشاورة الإخوة العرب بما تريد عمله، وربما تكون بعض الاتصالات تتم عبر قنوات دبلوماسية مع مصر ولكن بشكل محدود، ومع تجاهل كامل للقوى الميدانية في سوريا ولأصحاب الدم المهدور. ولقد كنت شخصياً من الداعين لحوار مع روسيا، ولكني أتوقع إزاء هذا التشدد الروسي أن يذكر الرافضون بكون روسيا هي التي عطلت كل القرارات في مجلس الأمن بـ«الفيتو» كي لا يجد السوريون حلاً لقضيتهم. وسيكون من حقهم ألا يطمئنوا إلى نزاهة وسيط أو حكم ينصفهم وأسلحته وصواريخه هي التي قتلت أبناءهم ودمرت مدنهم وقراهم. ولكن يبقى السؤال المفتوح: هل تريد روسيا أن تكفّر عن أخطائها التي جعلتها عدواً لغالبية الشعب السوري؟ ربما يجيب على السؤال وفد المعارضة حين يضع جدولاً واضحاً بمطالب السوريين، ويرى حقيقة الدور الروسي.