هيمنت التحولات الاقتصادية على الأشهر الأخيرة من العام الماضي 2014، كانهيار أسعار النفط وارتفاع الدولار وتذبذب أسعار السلع، بما فيها الذهب، حيث استقبلت كل دولة العام الجديد بصورة مختلفة، سواء بآمال جديدة أو بحذر شديد. في الجزء الشمالي من القارة الأوروبية وتحديداً على بحر البلطيق استقبلت ليتوانيا العام الجديد على طريقتها الخاصة، فمع منتصف الليل قام رئيس الوزراء الليتواني بسحب أول ورقة من فئة العشرة «يورو» معلنا انضمام بلاده إلى العملة الأوروبية الموحدة لتكون بذلك الدولة رقم 19 في مجموعة «اليورو». واختلطت مشاعر الليتوانيين بين الحزن المؤقت لاختفاء عملتهم الوطنية «الليتاس»، وبين الفرح الممزوج بالتفاؤل بالمستقبل، حيث تكتسي المشاعر الأولى جانباً عاطفياً لا مكان له في عالم المال والأعمال، في حين يحمل الجانب الثاني النمو والمستوى المعيشي المرتفع، إذ أعلن رئيس الوزراء أن «اليورو سيكون ضامناً للأمن الاقتصادي والسياسي لليتوانيا تلك الجمهورية السوفييتية الصغيرة السابقة والتي لا يتجاوز عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة. دولة بهذا الحجم ستستفيد كثيرا من عضويتها في مجموعة "اليورو"، إذ ستفتح أمامها سوق هائل يتجاوز عدد سكانها 500 مليون نسمة، مما سيؤدي إلى تعزيز التجارة وتنمية العديد من القطاعات الاقتصادية في ليتوانيا من خلال زيادة الصادرات والحصول على الاقتراض بسهولة وبتكاليف منخفضة. وإذا كان الاقتصاد الليتواني قد انكمش بصورة كبيرة تصل إلى 15 في المئة في عام 2009، فإنه يحقق تقدماً مضطرداً منذ الإعلان عن انضمامها إلى العملة الأوروبية الموحدة، حيث حققت نسب نمو هي الأعلى في أوروبا، ففي العام المنصرم بلغت نسبة النمو 3.9% في حين يتوقع أن تحقق نسبة نمو تصل إلى 3.5% في العام الجاري. في المقابل بالتأكيد هناك بعض الجوانب أو التداعيات التي لابد من التعامل معها وإيجاد حلول لها، فارتفاع الأسعار كان ظاهرة صاحبت جميع دول مجموعة “اليورو" في بداية انضمامها، بما في ذلك جمهوريتا البلطيق الأخريين إستونيا التي انضمت في 2011، ولاتفيا التي انضمت العام الماضي، إلا أن هذه الظاهرة المؤقتة أمكن تجاوزها من خلال الفرص التي أتاحتها عملية الانضمام وساهمت في ارتفاع مستويات المعيشة وتوفير الكثير من فرص العمل. والفهم الصحيح يقول إنه في الاقتصاد كما في العلوم الأخرى لا توجد أي ظاهر بصورتها المطلقة، فلكل منها جوانب إيجابية وأخرى سلبية مصاحبة، إلا أن المحصلة النهائية والعامة لانضمام ليتوانيا لليورو ستكون إيجابية إلى حد بعيد. وبالرغم من الصعوبات التي تعرضت لها العملة الأوروبية خلال الأزمة العالمية وانخفاض سعرها حالياً، إلا أنها تمضي قدماً نحو خلق أوروبا جديدة باقتصاد قوي وبعملة تسود من إسبانيا في الجنوب وحتى فنلندا وجمهوريات البلطيق الصغيرة في الشمال لا حدود لتدأولها ولا قيود لانتقالها معبرة عن وحدة اقتصادية مع انفتاح تام لانتقال رؤوس الأموال والسلع والخدمات والأيدي العاملة لتضفي القوة والندية على تكتل اقتصادي واعد. وبالإضافة إلى ذلك ساهمت العملة الموحدة من خلال شروط الانضمام إليها في تحسن اقتصادات المجموعة وفي الالتزام بالمعايير المالية والنقدية اللازمة للاستقرار والنمو، كالالتزام بنسب العجز المالي والدين العام، فبعد أن كانت بلدان، كاليونان وإيطاليا وإسبانيا تعاني من هذه المشاكل التي تتسبب في نمو معدلات التضخم وتدني مستويات المعيشة، أصبحت هذه البلدان الآن تلتزم إلى حد بعيد بالضوابط الخاصة بالعملة الموحدة، مما أضفى على اقتصاداتها المزيد من الاستقرار وخفض كثيراً من العوامل السلبية التي صاحبتها لسنوات طويلة، وهو ما عزز من قناعتها بالعملة الأوروبية الموحدة التي تتجاوز العقبة تلو الأخرى لتثبت أنها قادرة على تحقيق المزيد من المكاسب للدول الأعضاء باعتبارها عملة عالمية تشق طريقها لاحتلال المركز الأول.