في كتابه «العرب.. وجهة نظر يابانية»، يقول مؤلفه المستعرب الياباني «نوبوأكي نوتوهارا»، إنهم في اليابان عاشوا تجربة مريرة مع العنصرية، مستشهداً بما فعله العسكريون اليابانيون ضد الشعوب المجاورة قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، ويقصد هنا الشعبين الصيني والكوري. وعلى الرغم من إعجابي بكتاب هذا الياباني المناصر لقضايا العرب، إلا أنه أثار تعجبي حين ألقى باللائمة في عنصرية اليابانيين تجاه الشعوب المجاورة لهم على العسكريين اليابانيين، وهو الخطأ الذي نقع فيه نحن أيضاً، في كل مرة، نقذف الثمرة السيئة بحصى اللوم، وننظر بإعجاب إلى الشجرة، ثم لا نلبث أن نجد ثمرة أخرى سيئة، وهكذا إلى ما لا نهاية. وفي الحقيقة لم تكن العنصرية ضد الشعوب المجاورة لليابان من فعل الجيش الياباني، إذ يصعب تخيل أن قادة ذلك الجيش حقنوا العسكريين بالعنصرية، أو أصدروا لهم الأوامر بأن يكونوا عنصريين، فانقلبوا فجأة كذلك، ومارسوا أبشع أنواع العنصرية على الصينيين والكوريين، فقتلوا ونهبوا واغتصبوا نحو ربع مليون إنسان خلال شهرين فقط من احتلال مدينة نانجينج الصينية مثلاً. لا يمكن أن يتصرف أي جيش في العالم بتلك الطريقة الوحشية ما لم تكن قيم قادته وضباطه وجنوده، في بيوتهم التي نشأوا فيها، ومدارسهم التي تعلموا فيها، وشوارعهم التي ساروا فيها، ومؤسساتهم التي عملوا فيها، تقبل احتقار الآخرين وتنظر لهم بدونية. لا يمكن أن يتورط جيش بالفظائع من دون جو عام يقبل أو يغض الطرف عن الأمثال والحكايات والقصائد التي تغذي التوحش لدى أفراد شعب ما، الجيش ليس سوى شريحة من شرائحه، أو لنقل الشريحة التي تملك القوة اللازمة لتفعيل تلك الثقافة على الأرض. كما لم يصبح الجيش النازي عنصرياً بقرار من هتلر، وإنما كانت أبخرة العنصرية والتفوّق تخرج من أنوف الألمان، ودور هتلر اقتصر على صنع آلة نازية تسحب البخار السام وتكثفه وتخرجه على شكل نظريات شريرة وخطط توسعية ومشاريع إبادة. ولا أعتقد أن هتلر هو من اخترع حكاية أن الإنسان الروسي نصف إنسان، الأمر الذي سهّل على الألمان مهمة إبادة المدنيين الروس كأنهم يبيدون مجموعة من الحشرات، مثل هذه الأفكار والمعتقدات لا تأتي بقرار أو بخطب نارية ولا يمكن أن تكون وليدة حركة سياسية، وفي المسألة الهتلرية، غالباً ما يتجه الحديث نحو العوامل التي أوصلت هتلر إلى السُلطة، وقليلاً ما يدور الحديث حول الأسباب التي جعلت الألمان يسيرون بقناعة تامة خلف رجل عنصري. وفي هذا الجزء من العالم الذي تشكو مجتمعاته العربية من ظواهر الفساد، والمحسوبية، والإهمال، واللامبالاة، والقمع، والتطرف، والإرهاب، والطائفية، والتقليل من شأن المرأة، وغياب لغة الحوار، وغيرها من علل لا تعد ولا تحصى، نجد أن اللوم يقع على أفراد أو جهات، كأن هؤلاء أصبحوا كذلك فجأة، وكأن المتطرف مثلاً، وُلد في سن العشرين، بالغاً وعاقلاً وراشداً، واختار بنفسه أن ينظر للآخرين شزراً، وأن يشعر بأن الأرض ستكون أفضل من دونهم. كل شيء يأتي منا ثم يعود إلينا عبر أشخاص أو مؤسسات هم ثمرة شجرة قيمنا وثقافتنا وحضارتنا، وما لم نعالج أصل الشجرة، سنظل نراوح في أماكننا جيلاً بعد جيل.