تمكين الشباب عبارة ذاعت على وجه الخصوص بعد ثورة 25 يناير. ويرد ذلك أساساً إلى أن الذين بادروا بالثورة هم مجموعات من الناشطين السياسيين الذين نجحوا نجاحاً فائقاً في استيعاب تكنولوجيا التواصل الاجتماعي عبر شبكة الإنترنت. واستطاعوا عن طريق «التشبيك» شن حملة تمرد على النظام السياسي في عصر مبارك حين دعوا لمظاهرة في ميدان التحرير يوم عيد الشرطة الذي تصادف كونه في 25 يناير. وقد لعب الموقع الإلكتروني الشهير «كلنا خالد سعيد» دوراً أساسياً في حشد الشباب احتجاجاً على القهر السياسي وعلى المخالفات الصارخة لحقوق الإنسان. ويقرر «وائل غنيم» في الكتاب الذي أصدره عن الثورة أن من قادوا الحملة لم يكونوا متأكدين من الاستجابة لها، ولا لديهم أي فكرة عن أعداد الشباب الذين سينزلون إلى ميدان التحرير. غير أن عوامل الثورة على النظام القديم -والتي كانت أشبه بالنار تحت رماد الخوف والاستسلام- تفاعلت ودفعت بملايين المصريين رجالاً ونساء وشباباً وكهولاً وأطفالاً للزحف إلى الميدان، وسرعان ما تطورت الظاهرة الاحتجاجية المحدودة لتصبح ثورة شعبية عارمة بعد أن تصاعد الهتاف «الشعب يريد إسقاط النظام». واستطاعت الثورة فعلاً بعد ثمانية عشر يوماً إجبار «مبارك» على التنحي وتسليم السلطة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة. ولأن الشباب هم الذين أشعلوا فتيل الثورة فقد كان منطقياً في الواقع أن يرتفع شعار ضرورة تمكين الشباب، والمعنى المضمر هنا تمكين الشباب من القيادة السياسية للبلاد. غير أن العثرات المتعددة في المرحلة الانتقالية أدت إلى نجاح جماعة «الإخوان المسلمين» في اختطاف الثورة عبر انتخابات ديمقراطية شكلاً ومزيفة موضوعاً، والحصول على الأكثرية في مجلسي الشعب والشورى هي وحزب «النور» السلفي. ليس ذلك فقط بل نجحت الجماعة في إنجاح محمد مرسي رئيس حزب «الحرية والعدالة» ليصبح رئيساً للجمهورية. وهكذا -بعد تشرذم الشباب في مئات الائتلافات الثورية- أغلقت الدائرة عليهم وفشلوا في الحصول على عضوية المجالس النيابية. ومن هنا تصاعدت الدعوات الملحة لضرورة تمكين الشباب. واستجابة لهذه الدعوات لجأ النظام السياسي الجديد الذي نشأ بعد 30 يونيو إلى طريقة غير مجدية في التمكين، وهي إصدار قرارات وزارية تقضي بضرورة أن يختار كل وزير مجموعة من الشباب المعاونين له وكذلك المحافظين. وهذه القرارات – من فرط عدم منطقيتها- واجهت عثرات متعددة في التطبيق، وأخطر من ذلك أنها لم تحل مشكلة تمكين الشباب. وإذا كان سيتم اختيار عدد محدود من المعاونين للوزراء والمحافظين، فماذا عن جماهير الشباب الغفيرة التي تبحث جاهدة عن دور تلعبه في مجال المشاركة السياسية، والإسهام الفعال في عملية صنع القرار؟ هذه هي المشكلة التى تصدى لها بجسارة شباب الباحثين العلميين في المؤتمر الذي نحلل توصياته المهمة والذي عقده المركز العربي للبحوث بالاشتراك مع وزارة الشباب. وفى تقديرنا أن شباب الباحثين نجحوا لأول مرة في وضع حلول عملية شاملة لتمكين الشباب من خلال بحوثهم المتكاملة. وقد توصل المؤتمر من خلال أبحاثه إلى أن الأحزاب السياسية لا تسمح بتمكين الشباب في العمل السياسي. وإذا كان هذا هو التوصيف الموضوعي لأحد أبرز أسباب تمكين الشباب فما هي الحلول التى يقترحها شباب الباحثين؟ لقد توصلوا إلى حلول تتمثل في ضرورة تعزيز الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب المصرية، وأهمية تعزيز الوعي السياسي للشباب وتحسين فرصهم في الفوز في الانتخابات، وأخيراً في تنشيط دور وزارة الشباب. وبالنسبة للأحزاب السياسية فقد دعت التوصيات إلى «تعزية الممارسة الديمقراطية في داخل الأحزاب المصرية وهذا يتطلب قراراً من كل حزب على حدة، ووضع برنامج لبناء الكوادر الحزبية الشبابية. وثمة مقترحات عملية تستحق التنفيذ. وهي تبدأ بأهمية وتطوير برامج تثقيف سياسي تستهدف الشباب بفئاتهم المختلفة على نحو يرفع وعيهم السياسي في القضايا السياسية المحورية ويستهدف أصحاب الإعاقات والمرأة. وتشير التوصية كذلك إلى أهمية تدريس مواد حقوق الإنسان والتربية الوطنية في المدارس الابتدائية، وتطوير برامج تضمن اكتساب الشباب المهارات الخاصة بالعمل السياسي والتي تمكنه من ممارسة المهام المنوطة به في حال وصوله لأي منصب سياسي، سواء في مجالس المحافظات أو في البرلمان...». ومما لا شك فيه أن الشباب الذين يكونون حوالي 60% من مجموع السكان في مصر يحتاجون إلى وضع سياسة قومية فعالة لاستيعابهم اجتماعياً وثقافياً وقبل ذلك سياسياً، ويمكن القول إن توصيات مؤتمر شباب الباحثين تمثل إضافة قيمة للأفكار المتداولة الخاصة بتمكين الشباب، وتبرز أهميتها في كونها شاملة ومترابطة وتتسم بكونها عملية وقابلة للتطبيق.