يقال «هناك طريقتان لنشر الضوء، أن تكون شمعة، أو مرآة تعكس نورها»، ومدينة «مصدر» في أبوظبي الشمعة والمرآة في آن واحد، وهذا يجعل من الصعب الإحاطة بإبداعاتها، فهي إحدى شركات «مبادلة»، الذراع الاستثمارية للإمارات العربية المتحدة، التي تبلغ صناديق أموالها السيادية نحو نصف تريليون دولار، وتتكون «مصدر» من مؤسسات أعمال قائمة بذاتها، مثل «مصدر للرأسمال»، و«مصدر للطاقة النظيفة»، و«المشاريع الخاصة»، و«مدينة مصدر والمنطقة الحرة». و«مصدر المدينة المستديمة» النموذجية عالمياً، يعيش ويعمل سكانها قرب أبوظبي، في جو نقي لا تلوثه غازات الكربون، ولا النفايات التي يجري تدويرها بالكامل، وفي عام 2009 تأسس «معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا» بالتعاون مع «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» في الولايات المتحدة، وهو أول جامعة في العالم للدراسات العليا في أبحاث الطاقة المتجددة والتقنيات المستديمة. وتشرف «مصدر» على تنظيم القمم العالمية للمياه، والطاقة المتجددة، ومستقبل الطاقة، والتي تُعقد تحت مظلة «أسبوع أبوظبي للاستدامة» للفترة ما بين 17 و24 من الشهر الحالي. يفتتح القمم سمو الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، وتشارك فيها خمسة آلاف شركة ومؤسسة، و140 وفداً حكومياً من 150 بلداً، ويتوقع أن يتجاوز عدد الحضور 30 ألف من 170 بلداً. وجعلت «مصدر» أبوظبي عاصمة «الاتحاد العالمي للطاقة البديلة» الذي يعقد مؤتمره الثاني العام في الأسبوع نفسه، وتعرض قمم أبوظبي نجاح الجهود العلمية في تحقيق أثمن حلم للبشرية في تحلية مياه البحر بوساطة الطاقة الشمسية، أو أي تشكيلة من الطاقات المتجددة، وعندما تتحدث «مصدر» عن خطوات تحقيق هذا الحلم ينبغي أن نصدقها، فالإمارات تعتمد في 90% من مياهها العذبة على التحلية. والقمم مناسبات لعقد الصفقات، ومنها مشروع يستثمر مليار ونصف المليار دولار يفاوض حوله مهندسو مصر، أغنى دولة عربية بالسكان، ومهندسو السعودية، أغنى دولة عربية بالطاقة. يمد المشروع قابلو بحري عبر خليج العقبة يوفر للبلدين والمنطقة الطاقة النظيفة، وبرامج خفض الهدر والاستهلاك فيها. وما كان يبدو حلماً في العقد الماضي يحققه الآن مهندسون مختصون بنقل الطاقة المنتجة من الشمس، وغيرها من أنواع الطاقة المتجددة عبر شبكات الكهرباء العامة، وهذا من أهم مواضيع القمم التي يشارك فيها قادة ومهندسو الطاقة المتجددة. و«مصدر» مثل «بيت الحكمة» في عصر النهضة العربية الإسلامية في بغداد، يكمن مفتاح فهمها في المشاريع الضخمة للدولة، وتأمين استثماراتها الكبرى، وتلبية حاجاتها الضرورية، في «مصدر» إمكانات وفرص، تستدعيان ما يضاهيهما من الحنكة، وقوة الأداء، وروح الإبداع، التي عبَّر عنها إعلان رئيس دولة الإمارات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان بأن العام الحالي 2015 عام الإبداع في الإمارات. ذكر ذلك الدكتور سلطان أحمد الجابر، الرئيس التنفيذي لمدينة «مصدر» في بحث عنوانه «تنشئة روح الإبداع» عرض فيه استراتيجية الإمارات في تطوير عمليات الإبداع في سبعة قطاعات، وهي الطاقة المتجددة، والنقل، والتعليم، والصحة، والتكنولوجيا، والماء، والفضاء. والإبداع أثمن رأسمال، وهو مصدر 90 في المائة من نمو الموارد في الولايات المتحدة، حسب الجابر، الذي تناول فقرات مهمة في الاستراتيجية، مثل ردم فجوات شخصتها القيادة في تمويل البحث، وتبَّني تشريعات تشجع على الريادة في الأعمال، وتحمي حقوق الملكية الفكرية، وتنفيذ برامج عملية، مثل تقليل الإنفاق الحكومي بنسبة واحد في المائة، يخصص مردودها للبحث والتطوير، والتركيز بشكل خاص على إنشاء حاضنات الإبداع التي تنبت، وتغذي، وتطور مفاهيم «البيزنس المبدع» للإسراع بعملية نقل الأفكار المبدعة الكبيرة للأسواق. و«مصدر» مثل «بيت الحكمة» موهوبة في انتقاء الموهوبين، الذي يديرون حالياً خمسة مراكز لتطوير المنتج العلمي من مرحلة البحث حتى الأسواق، وبعضها بالتعاون مع شركات عالمية كبرى. هذه الإبداعات أهلّت «مصدر» لاحتلال الصدارة في تصنيف الجامعات العربية الذي أصدرته هذا الشهر مجلة «يوإس نيوز آند وورلد ريبورت»، وذكرت فيه حصول «مصدر» على أربع براءات اختراع مسجلة في الولايات المتحدة، إضافة إلى 42 براءة قيد التسجيل، و69 ابتكاراً، و500 بحث منشور في المجلات العلمية المحكمة. وفي ظلمة العالم العربي الحالكة يبدو علماء «مصدر» كالطيور، التي قال عنها الشاعر الهندي طاغور «تشعر بالضوء عندما تكون الدنيا ما تزال مظلمة».