من السمات الراسخة في رئاسة أوباما تصميمه على تنفيذ أجندته الأيديولوجية التي جاء بها إلى البيت الأبيض بغض الطرف عن الظروف القائمة على أرض الواقع. فقد فرض جداول زمنية لـ «إنهاء الحربين» في أفغانستان والعراق، وإنْ كانت غير مرتبطة بإحراز تقدم عسكري. وأصر على مواصلة محادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، على رغم عدم رغبة قادة الطرفين الواضحة. وبدأ فترته الرئاسية الثانية بالسعي إلى اتفاق أسلحة نووية جديد مع بوتين، في حين أن أدلة كثيرة أكدت أن الرئيس الروسي كان يتأهب لمواجهة مع الغرب. والآن، بعد ستة أعوام في الرئاسة، أطلق أوباما، أولى مبادراته الكبيرة في أميركا اللاتينية، ألا وهي التطبيع مع كوبا. وهو المشعل الذي لطالما حمله الليبراليون على مدار عقود. ورغم ذلك، تجاهل الرئيس عامداً متعمداً الأحداث الجارية. وتغافل أوباما بصورة خاصة عن حقيقتين دامغتين؛ الأولى: أن نظام راؤول كاسترو كان في أمس الحاجة إلى الانفتاح الاقتصادي على الولايات المتحدة، ويعني ذلك أن التنازلات المجانية التي قدمها أوباما، كان يمكن استغلالها في جلب تنازلات سياسية كبيرة من قبل النظام الكوبي. وأحد الأمثلة البسيطة على التنازلات التي كان يمكن الحصول عليها إنهاء عمليات الاعتقال والضرب التي يتعرض لها منشقون مسالمون، مثلما حدث الأسبوع الفائت. وأما الحقيقة الثانية: فهي أن أوباما تجاهل أزمة تتفاقم ببطء وأثارت حنق كاسترو، وكان ينبغي أن تكون محط تركيز الطاقات الأميركية في أميركا اللاتينية. وهذه الأزمة هي الانهيار البطيء والكارثي لفنزويلا، وهي إحدى الدول الكبيرة الموردة للنفط إلى الولايات المتحدة، والتي يبلغ تعداد سكانها ثلاثة أضعاف الكوبيين. والتي باتت مع بداية عام 2015 تتحسس خطواتها على طريق «الدولة الفاشلة». وتحولت فنزويلا خلال السنوات الأخيرة إلى مستعمرة كوبية حقيقية، وهو أحد الأسباب الكبيرة وراء ما آلت إليه. وبعد استضافة الزعيم تشافيز أثناء موته البطيء بسبب السرطان، ساعدت هافانا على تنصيب خليفته نيكولاس مادورو، سائق الحافلة السابق الذي يتمتع بمواهب محدودة جداً. ومنذ وفاة تشافيز قبل 22 شهراً، واصل مادورو بإخلاص تقديم المساعدات النفطية التي تقدر بـ مائة ألف برميل يومياً، والتي تحافظ على الاقتصاد الكوبي المترنح من السقوط. وفي هذه الأثناء، أشرف "مادورو" على تفسخ الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في دولته الذي تحول من الانحدار الشديد إلى كارثة حقيقية؛ حيث انخفض الإنتاج الاقتصادي بنسبة خمسة في المئة خلال النصف الأول من العام الماضي، وزاد التضخم أكثر من 60 في المئة، وحدث نقص بمقدار الثلث في السلع الاستهلاكية، وكان ذلك قبل حدوث تراجع بنسبة 50 في المئة في أسعار النفط الفنزويلي، الذي يوفر 95 في المئة من العملة الصعبة للدولة التي تستورد غذاءها ودواءها. وحسب منظمة مراقبة العنف الفنزويلي، بلغ عدد القتلى في الدولة رقماً قياسياً في 2014 مسجلاً 25 ألف شخص، فيما سجلت ثاني أعلى معدلات انتحار في العالم بعد هندوراس. وتتوقع «وول ستريت» تقصير فنزويلا في سداد ديونها. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»