تعطينا تصريحات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف حول توقيف أحد مواطني مملكة البحرين فكرة عن سياسة إيران تجاه جيرانها حتى لو كان على رأس السلطة من يطلق عليهم صفة الإصلاحيين، فالسياسة الإيرانية، كما تعبر عنها تصريحات جواد ظريف، لم تتغير عما كانت عليه خلال فترة أحمدي نجاد، المحسوب على المتشددين. وهي تصريحات تعني، في نهاية المطاف، أن البناء التحليلي للمراقبين حول التهدئة في العلاقات مع الجوار ليس بتلك السهولة التي يعتقدها البعض. وأظن أنه من الصعوبة أن يجد أي محلل سياسي تفسيراً منطقياً للموقف الذي صرح به ظريف، وكذلك ما صاحبه من تعليقات لبعض الصحف الإيرانية، وخاصة «كيهان» المقربة من المرشد الأعلى عندما تزعم بدون مناسبة أن مملكة البحرين تابعة لإيران كما فعلت هذا الأسبوع، سوى أنها تعبير عن الإصرار على الاصطدام مع الخليجيين، لأن المسألة شأن بحريني داخلي وقد ثبتت على الشخص مخالفته لقوانين الدولة ومن ثم ينبغي محاكمته. ويبدو أن السياسة الإيرانية عملت كل ما تستطيع لأن تمنع أي بناء للثقة مع الجوار الخليجي برغم محاولات الجوار التهدئة معها. فقد أسهمت تصرفاتها في المنطقة في صعود تيارات متشددة، مثل الحوثيين في اليمن، حيث فجرت الوضع الأمني في اليمن «الخاصرة الخليجية». وخربت استقرار العراق، كما منعت الشعب السوري من تحقيق طموحه في تغيير نظام الأسد. إن إيران تريد بناء علاقات حسن الجوار مع دول الخليج، ولكنها لا تعمل على تحقيق ذلك. غريبة التصرفات الإيرانية مع الدول العربية والخليجية تحديداً، وخصوصاً بالتدخل الأخير في البحرين، حيث كانت الأمور تسير نحو تحسين العلاقات مع دول الخليج، أو هكذا أظهر لنا، ومن ثم فإن القلق من سياسات إيران ليس نابعاً من كونها دولة تريد تحقيق طموحاتها البنيوية أو التعاون مع الجوار وممارسة حقها السياسي كدولة إقليمية كبيرة، ولكن ذلك القلق ينبع من كونها دولة غير واضحة التعامل وتستخدم أساليب ملتوية، ومن ثم من الصعب التعامل معها بوضوح وثقة. وتكشف السياسات الإيرانية نفسها للعرب والخليجيين، باعتبار أن هدفها هو التمدد في كل الدول العربية، بهدف زعزعة الاستقرار السياسي فيها، وتختلق المشكلات مع جيرانها، فهذا يحقق لها التوازن مع الداخل، حيث لديها الكثير من المشكلات، أهمها الاقتصادية، ومن ثم تريد تصدير المشكلات إلى الخارج. إن قرارات ونوايا الدول الخليجية في إبداء الرغبة في بناء علاقات جيدة مع الجوار الجغرافي، وخاصة في عهد الإصلاحي حسن روحاني، أمر لم تفهمه إيران، ما يرسخ لها العداء مع الشعوب في المنطقة. إن التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الخليجية لا يخدم العلاقات الخليجية الإيرانية، هذا إن كانت القيادة الإيرانية صادقة مع شعبها والشعب الخليجي، لأن من يريد حقيقةً بناء علاقات لا يحرض مواطني دولة أخرى على نظامهم السياسي، أو من أجل ترسيخ الانقسام الداخلي، ويتعامل معهم باعتبارهم من أتباع دولته مذهبياً. لن تبني إيران علاقات جيدة مع جوارها والعالم، إلا إذا تخلت عن أحلامها الثورية، وتعاملت مع جوارها الجغرافي بتوازن وموضوعية، وانصرفت إلى معالجة مشكلاتها الداخلية مستندة إلى المبادئ الإنسانية وليس التفريق لأسباب طائفية. وسيظل العالم يناقش العلاقة بين كلام القيادة الإيرانية المعسول وبين نوايا النظام الإيراني الحقيقية وخاصة الحرس الثوري والمرشد، لأن تأكيد تغير النظام الإيراني في تعامله مع جواره يبدو أنه لا يزال مبكراً. وبعيداً عن إلقاء اللوم على إيران باعتبارها الدولة المتسببة في مشكلات المنطقة، يبقى المهم بالنسبة إلى الخليجيين أولاً والعرب عموماً، تقوية موقفهم أمام تلك التدخلات الإيرانية، على اعتبار أنها كما يبدو ليست لها نهاية، فطموحات إيران الإقليمية مستمرة. ففي أسوأ الحالات يمكن أن يقود هذا الموقف، إلى صد التدخلات الإيرانية، لأنه بالمراقبة نجد أن هذه التدخلات تزيد كلما كان الموقف الخليجي أو العربي متراجعاً. والخلاصة أن التجارب السياسية أثبتت أنه لا أمل في علاقات متوازنة مع إيران، حتى لو كانت على رأس السلطة حكومة توصف بأنها إصلاحية، المسألة توزيع أدوار ولكن هي سياسة إيرانية واحدة على مر السنين ربما لأن الذي يمسك بخيوطها هو شخص واحد، المرشد الأعلى للثورة وليس الرئيس المنتخب!.