يجسّد الكونجرس الجديد الذي يبدأ أعماله هذا الأسبوع المشهد الأكثر حداثة لظاهرة الانقسام السياسي الحادّ في المجتمع الأميركي. وأصبح الحزبان الرئيسيان «الديموقراطي والجمهوري» أكثر استقطاباً مما كانا عليه منذ بضعة عقود. وأصبحت الفجوة التي تفصل بين «الجمهوريين الريفيين» و«الديموقراطيين الحضريين» أكثر اتساعاً. وتزداد معركة الفوز بأصوات الناخبين من سكان الضواحي والأرياف ضراوة يوماً بعد يوم. ولم يقال إلا القليل أيضاً حول الفرز وعدم التكافؤ الاقتصادي بين «الولايات الحمراء» المحافظة المحسوبة على الحزب الجمهوري، و«الولايات الزرقاء» المنفتحة المحسوبة على الحزب «الديموقراطي»، وهو الانقسام الذي لا يقل خطورة عن الاستقطاب السياسي. وبشكل عام، تُعدّ الولايات الزرقاء، مثل كاليفورنيا ونيويورك وإيلينوي، والتي يعتمد اقتصادها على الصناعة المالية كالبنوك والبورصات، والتجارة، وتكنولوجيا المعلومات، أكثر غنىً من الولايات الحمراء. إلا أن الولايات الحمراء، مثل تكساس وجورجيا ، سجلت نجاحاً لافتاً في مهمة الرفع من مستوى معيشة سكانها وخاصة فيما يتعلق بتخفيض أسعار وتكاليف السكن. ولا يقتصر الهدف من ذكر هذه الحقائق الاقتصادية على تفسير السبب الذي صبغ الخريطة الانتخابية مؤخراً «باللون الأحمر» الأكثر عمقاً من ذي قبل في انتخابات نوفمبر، بل إنه يوحي أيضاً بدرجة الخطر التي تهدد سعادة ورفاهية الأميركيين بشكل عام. وعلى أن اقتصاد الولايات «الحمراء» الذي يعتمد على استخراج مصادر الطاقة والزراعة، يتصف بأجور العمل المنخفضة والمعدلات الأعلى من الفقراء والانخفاض في مستوى التحصيل الدراسي بالمقارنة مع الولايات الزرقاء. إلا أن سكانها يستفيدون من التكاليف المنخفضة للعيش. وبالنسبة لمواطن ينتمي إلى شريحة الطبقة الوسطى، يكون تحقيق «الحلم الأميركي» بامتلاك منزل رحب مع حديقة وزوج من السيارات، أكثر سهولة في ولاية «حمراء» مثل أريزونا مما هو في ولاية ملونة بالأزرق الداكن مثل ماساشوسيتس. وأشار الخبير الاقتصادي «جيد كولكو» إلى أن تكلفة شراء مسكن في الولايات الزرقاء الداكنة تبلغ (2270 دولاراً للمتر المربع) أو ما يقارب ضعف التكلفة في الولايات الحمراء والبالغة (1190 دولاراً للمتر المربع). ونظراً لأن الإنفاق على التعليم والبنى التحتية والرفاهية الاجتماعية في الولايات الحمراء أخفض مما هو في الولايات الزرقاء، فإن التكاليف الضريبية فيها أكثر انخفاضاً. ولعل مما يثير الاستغراب أن الناخبين في أربع ولايات حمراء هي آلاسكا ونبراسكا وساوث داكوتا وأركنساس، صوتت في انتخابات نوفمبر بحماس من أجل رفع الحد الأدنى للأجور فيها بشكل كبير بحيث يتجاوز نظيره في العديد من الولايات الزرقاء. وبمجرد إطلاق العمل بقانون «أوباماكير» للرعاية الصحية، استفاد مواطنو الولايات الحمراء من هذه الخدمة المهمة بأكثر مما استفاد سكان الولايات الزرقاء. وبالرغم من ذلك، فضلوا انتخاب المرشحين المناهضين لقانون الرعاية الصحية الذي يتم تمويله بشكل أساسي من دولارات مواطني الولايات الزرقاء. وفيما يتعلق بأحوال مواطني الحواضر ذوي الأجور المنخفضة من سكان الولايات الزرقاء كأولئك الذين يعملون في تحضير وبيع الأطعمة وذوي الوظائف الخدمية والتجار الجائلين والمعلمين وخدم البيوت والطلاب، فإن «الحلم الأميركي» بامتلاك مسكن أو حتى استئجاره، يزداد صعوبة بمرور الوقت. ------ ريتشارد فلوريدا أستاذ محاضر في اقتصاد الضواحي والأرياف بجامعة تورونتو ----- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»