لا يكاد أن تتناقش مع متخصص في علوم الفقة أو الشريعة أو التفسير وعلوم القرآن حول مواضيع يعتبرها هو مُسلمات يُعد النقاش فيها نوعاً من الفتنة المنبوذة إلا وذكر لك من القرآن الكريم قوله تعالى «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) النحل- (7) الأنبياء، وكأنه يضع سياجاً دوغمائياً مغلقاً متجاهلاً شكلاً ومضموناً أسباب النزول والمُخاطب من مُشركي قريش وفي الغالب 90% من المسلمين لا يعلمون سبب نزولها ويعتقدون أنها دعوة مفتوحة؛ لاحتكار بعضنا لفهم الدين وقولِهم إن هذه الآية وإن كان سببها خاصاً بالسؤال عن حالة الرسل المُتقدمين لأهل الذكر فإنها عامة في كل مسألة من مسائل الدين أصوله وفروعه، فالآية بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وكهونية عجيبة غريبة بدأت منذ أن أصبح الحكم مُلكاً عضوداً في الأمويين ومن بعدهم في العباسيين وازدهار الفِكر الإسلامي، ولكن علة ذلك الازدهار أنه تمحور حول السُلطة وتأسيس مفاهيم الخِلافة الوراثية حسب العرق والنسب والجنس، وأصبح من أَلف كتاباً في علوم الدين وتفرعاته في تلك العصور والتي تلتها بمثابة المرجع الموثوق والحُجة في دين الإسلام وتأسست عليه القناعات ليومنا هذا، في محاولات مستمرة لإسقاط الإسلام الذي فهمه أسلافنا حصرياً على الواقع على مر العصور، وهو غلو فِكري من نوع آخر يحتاج لتصحيح المسار. فقد نشأة حول الفكر الإسلامي من انطلاقته الفعلية أوهام معقلنة عديدة زرعت في عقول المُسلمين تدور حول مسألة التجديد في الخطاب والفكر الإسلامي وأكثرُها تأثيراً على العقل المُسلم أن عقل العالم آنذاك لم يخضع إلى سلطان البرهان، وهو أمر مبالغ فيه وفقاً للظروف الاجتماعية والنُظم السياسِية في وقتِها والتعاطي مع أمور دنيوِيَة وروحية بعضها ليس له صلة بالبرهان العقلي الاجتهادي ومن المستحيل فهمه وتفسيره بالمنطق الاستدلالي والقياس ومن الأساطير الأخرى المؤثرة في تكوين الفكر الإسلامي والفقة الإسلامي كجزء من ذلك الفكر هو عدم شرعية الفهم إلا بالرجوع في فهم الدين إلى منابعه الأولى على طريق السلف الصالح، ونتسائل من قال إن فهم السلف الصالح كان معصوماً من الخطأ وسوء الفهم ومَن نقله دون فهم، كما أن فعل السلف الصالح من يضمن خلو ذلك من التحريف والحذف والإضافة حتى نُنزِل عليه القدسية ونربطه بالوحي الإلهامي في الكثير من الحالات. ولا شك أن علماء وفلاسفة الإسلام انغمسوا في إعمال العقل وترتيب ما يعلم ليصلوا به إلى مجهول، أو إعماله في المعلوم للوصول إلى معرفة مجهول، وإنْ كانت عقول فاعلة، ولكنها تابعة لم تتجاوز المألوف، ولا تفسر ما اكتشفه العلم المعاصر، وذُكِر في القرآن، ولم يفهم وقتها وهو أن العقل ليس مصدر التفكير، بل الإجراءات ومركز للمعلومات فقط، وإنما القلب هو مصدر الإبداع والتفكير والربط بين الإحساس والشعور للوصول للقرار، وإنْ عمى وضل القلب ضل صاحبه. ومع ذلك نرى أن علماء المسلمين طوال القرون السابقة يربطون كلمة "يعقلون" الواردة في القرآن الكريم في مواقف كثيرة بالعقل، ولتنظروا حولكم عن حجم الجرائِم والرجعية التي تُرتكب باسم الإسلام وحالة الضياع التي يعيشها جُل الشباب المسلم حتى أضحى التكفير نصيب كل معارض ومخالف واتهامه بالزندقة والإسلام السياسي وويلاته التي نعاني منها اليوم وقد كان بالأمس غير البعيد منظريه أعلم أهل الأرض واتقاهم ويجلسون جنباً إلى جنب مع السلطان أو الخليفة أو الحاكم، فكيف نواجه فقة التطرف والعنف بِفِقة لا يفرق بين الإسلام ديناً وبين دين الإيديولوجية الإسلامية، وهنا تبرز أهمية وجود المجمعات الفقهية التشريعية الافتراضية فلا رعويّة فقهية في عصر الفقة الإلكتروني والفضاء الديني المعرفي المفتوح. وها نحن أمام تحدي إيجاد آليات ومنصات جديدة لفهم الدين ومراجعة ونقد بعض القواعد الفقهية التي استُغِلت من قِبل الإرهابيين وعدم جعل مؤلفاتنا كبشر لفهم ديننا -وغيرها مما نُسب بصورة قطعية للرسول عليه الصلاة والسلام -خطاً أحمر مقدساً للخروج من أزمة العقل الإسلامي الشكل مسبقاً وثقافة تضمين تلك المؤلفات ضمنِياً كنصوص تفصيلية أو شارحة لعين، ومن ثم حقيقة اليقين في القرآن الكريم، وهو كلام الخالق ليتطابق ويحتوي استيعابنا المخلوق ومحدوديته، وبالتالي فِهم أزليّة الظاهر دون حيثيات غيبية الباطن غالباً وهو محل التأويل حسب ظروف المكان والزمان، فاستنطاق الوحي من خلال التفسير والفِهم دون قُبول المراجِعة والحذف والتعديل والجرح في التآويل أمر لا يُحاكي بل يُنافي الواقع الإنساني والطبيعة القرآنية التي لا نحيطها إدراكاً كلياً وأهمية تجرُدُنا من تاريخية الأصول الفكرية الإسلامية، وتوجُهُنا نحو عالمية وسيرورة المفهوم الكوني الأشمل للدين الإسلامي الحنيف.