تشير الإحصائيات والدراسات الخاصة بعام 2012 إلى إصابة 14 مليون شخص بالأمراض السرطانية -بأنواعها المختلفة- لقي 8,2 مليون منهم حتفهم بسبب المرض. ومما يزيد الطين بلة، أن هذه الأرقام مرشحة للتزايد بمرور الوقت، حيث يقدر أنه خلال العقدين القادمين سترتفع معدلات الإصابات والوفيات بنسبة 70 في المئة. وفي منطقة شرق البحر المتوسط، التي تشمل الغالبية العظمى من الدول العربية، بالإضافة إلى بعض الدول الأخرى، يتوقع أن تبلغ نسبة الزيادة ما بين 100 إلى 180 في المئة، أي أن عدد حالات الإصابة والوفيات بسبب السرطان في دول المنطقة سيزداد ما بين الضعف أو الضعفين تقريباً، خلال الخمسة عشر عاماً القادمة. وترد الزيادات في معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية، خلال العقود الماضية، كما يعزى استمرارها عبر العقود الآتية، إلى عدة أسباب، منها تطور سبل التشخيص، وارتفاع مستوى الرعاية الصحية في العديد من الدول. فقبل وقت ليس بالبعيد، كان جزء لا يستهان به من البشر، لا تتوفر لهم الرعاية الصحية الأساسية. وحتى من كان يتوفر لهم مستوى معقول من الرعاية الصحية كانت العديد من حالات الإصابة بالسرطان بينهم تشخص خطأ، أو لا تشخص بالمرة، وهو ما تغير مع تقدم أساليب وتكنولوجيا التشخيص، ومع ارتفاع مستويات الرعاية الصحية. والسبب الثاني خلف هذه الزيادة، وربما الأهم، هو ارتفاع متوسط أو مؤمل العمر لأفراد الجنس البشري خلال القرن الماضي. فعلى رغم أن السرطان يمكن أن يصيب أية فئة عمرية خلال مراحل الحياة المختلفة، إلا أن معظم من يتم تشخيص إصابتهم بالأنواع الخبيثة من السرطان، ينتمون في الغالب للفئة العمرية الأكبر من سن الخامسة والستين. وهذه الحقيقة هي التي دفعت بعض الباحثين في علم الأمراض السرطانية للتصريح بأن من يقدر له العيش لفترة طويلة بقدر كافٍ، سيصاب بالسرطان في وقت أو آخر. وترد هذه العلاقة بين السرطان والشيخوخة، إلى تراكم الاختلالات في نسخ المادة الوراثية داخل الخلايا بمرور السنين، بالإضافة إلى التغيرات في الغدد الصماء والهرمونات. ويمكن إدراك حجم التغير الديموغرافي الجاري في المجتمعات الحديثة -على صعيد نسب الفئات العمرية المختلفة- من حقيقة أنه في عام 2000 مثلًا، ولأول مرة في التاريخ، أصبح عدد كبار السن ممن تخطوا سن الستين من البشر، أكبر من عدد الأطفال دون سن الخامسة. وبوجه عام يشهد عدد ونسبة كبار السن تزايداً مطرداً، وبمعدل أكبر من معدلات زيادة أي من الشرائح العمرية الأخرى. فخلال العقد الحالي، سيزداد عدد المسنين بمقدار 200 مليون ليتخطى حاجز المليار لأول مرة، وبحلول عام 2050 يتوقع أن يصل عددهم إلى ملياري نسمة. ومن هذا المنظور يرى كثيرون أن الإصابة بالسرطان هي قدر محتوم على عدد كبير من الناس، وهو الاعتقاد الذي دعمته دراسة أجراها علماء جامعة «جونز هوبكنز» بالولايات المتحدة، ونشرت نتائجها هذا الأسبوع في إحدى الدوريات العلمية المرموقة (Science). فخلال محاولة هؤلاء العلماء، تفسير حقيقة معروفة مؤداها أن بعض الأنسجة البشرية تتعرض للإصابة بالسرطان بمعدلات تزيد بملايين المرات عن معدلات تعرض أنسجة أخرى، خلصوا إلى أن غالبية أنواع الأمراض السرطانية سببها الحظ السيئ، وليس الاختيارات الشخصية أو نمط الحياة غير الصحي، مثل التدخين. حيث أشارت نتائج دراستهم تلك، إلى أن ثلثي أنواع السرطان التي قاموا بدراستها، هي نتيجة طفرات عشوائية، وليس نتيجة نمط الحياة الشخصي. وإن كان هذا لا يعني أيضاً أن نمط أو أسلوب الحياة لا يؤثر في احتمالات الإصابة بالسرطان حيث إنه من المعروف أن بعضاً من أكثر أنواع الأمراض السرطانية، وأشدها فتكاً، يتأثر بنمط وأسلوب الحياة. فعلى الرغم من أن ثلثي حالات السرطان تنتج من حظ سيئ وطفرات عشوائية، إلا أن الثلث الباقي، أي 40 في المئة في بعض التقديرات من حالات السرطان، هو نتيجة اختيارات شخصية غير صحية. وهذا ما أكدته الأرقام والبيانات الصادرة عن إحدى الجهات العاملة في أبحاث علاج والوقاية من الأمراض السرطانية في بريطانيا (Cancer Research UK)، التي أظهرت أنه ما بين عامي 2007 و2011، ارتبطت 300 ألف من الحالات التي تم تشخيص إصابتها بالسرطان، بالتدخين، وذلك في بريطانيا وحدها. وعلى المنوال نفسه، ارتبطت 145 ألف حالة إصابة بالسرطان، بالغذاء غير الصحي المحتوي على نسب مرتفعة من الأغذية المصنعة، و88 ألفاً بسبب السمنة، بالإضافة إلى 62 ألفاً بسبب تناول الكحوليات. ويعتبر أيضاً نقص النشاط البدني، وعدم ممارسة الرياضة، بالإضافة إلى التلف الذي يتعرض له الجلد نتيجة التعرض لأشعة الشمس لفترات طويلة، من عوامل الخطر المعروف علاقتها الوثيقة بالأمراض السرطانية.