توصف تونس عن حق بأنها قصة النجاح الوحيدة في «الربيع العربي»، وذلك لأنها كانت البلد العربي الوحيد الذي شق طريقه بنجاح وسط انتفاضات 2011 نحو بناء ديمقراطية حقيقية تقوم على التعددية الحزبية اليوم؛ غير أن مستقبل الحرية في تونس ما زال غير أكيد. ومع انتخاب برلمان ورئيس جديدين خلال الأسابيع الأخيرة، تدخل أهم تجربة في الديمقراطية العربية مرحلة جديدة صعبة وربما خطرة تستلزم قدراً أكبر من الاهتمام والدعم الأميركيين. ويشير التونسيون إلى مجموعة من التحديات التي يمكن أن تعرقل عمليتهم الانتقالية من قبيل الاقتصاد الذي لا ينتج عدداً كافياً من الوظائف، وكذلك تهديد التنظيمات الإرهابية مثل «أنصار الشريعة». ثم هناك أيضاً الدولة الفاشلة المجاورة في ليبيا والبركان الذي يهدد بإطلاق سحابة من الاضطرابات نحو البلدان المجاورة على غرار السيناريو السوري. بيد أن السؤال الأهم الذي يواجه تونس يتعلق بقيادتها المنتخَبة الجديدة والتزامها بالمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وحكم يتحلى بالتسامح ورغبة في دمج وإشراك الجميع. وهذه هي مميزات الاستثناء التونسي منذ 2011، والفضل في ذلك يعود بشكل كبير إلى العديد من الأحزاب والشخصيات السياسية التونسية خلال المرحلة الانتقالية. وقد اقتنع التونسيون بأن الديمقراطية لا تعني أن لدى أي حزب -بغض النظر عن مدى شعبيته- الحق في الهيمنة على المجتمع، وأنه لابد من إيجاد أرضية مشتركة مع الخصوم السياسيين، وذلك لأن البديل الوحيد هو الحرب الأهلية أو الاستبداد -وهو ما انتهى إليه للأسف العديد من دول المنطقة. ويجد حزب «النهضة» نفسه اليوم خارج السلطة بعد أن فاز «نداء تونس» المناوئ للإسلاميين بالرئاسة وأعاد وضع «النهضة» في المرتبة الثانية في البرلمان. فهل سيتحلى ساسة تونس في المرحلة المقبلة أيضاً بالتسامح وضبط النفس والاستعداد لدمج وإشراك الجميع في العملية السياسية؟ ما زال ذلك غير واضح حتى الآن؛ ولكن التخوف لا يتعلق برئيس تونس الجديد الباجي قائد السبسي الذي قاد البلاد بنجاح خلال أشهر الفوضى التي أعقبت ثورتها ووجه خلال تنصيبه الأسبوع الماضي رسالة وحدة وطنية تبعث على الأمل، بقدر ما قد يتعلق بآخرين في محيط «نداء تونس» قد تكون غرائزهم الديمقراطية أقل نضجاً وتطوراً. والمتفائلون يردون على هذا القول بأن التونسيين، بعد أن قاموا مؤخرا بإسقاط ديكتاتور، لن يسمحوا بعودة الحكم الاستبدادي. والحال أن تاريخ الثورات يُبرز هذا الخطر، وما على المرء هنا إلا أن يتأمل مسار روسيا ما بعد العهد السوفييتي وجورجيا خلال السنوات الأخيرة. ولا شك أن مصير تونس في الأخير سيحدده التونسيون أنفسهم؛ بيد أن لدى القوى الديمقراطية الأخرى مصلحة حيوية في دعم وتعزيز موطئ قدم واحد على الأقل للحكم التعددي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا العربية. وإذا كانت هناك تركة أمل وتغيير في العالم العربي تستطيع إدارة أوباما أن تساعد على تأمينها، فإنها في تونس، والأشهر المقبلة ستكون مهمة وحاسمة. وفي هذا الصدد، يتعين على مسؤولي الإدارة الأميركية وأعضاء الكونجرس أن يعطوا الأولوية لتونس. ويمكن أن يبدأوا عبر زيارة العاصمة تونس حتى يُظهروا للحكومة الجديدة انفتاح الولايات المتحدة على شراكة أقوى وأكبر في ضوء إنجازات التونسيين الفريدة، شريطة ألا يحيد البلد عن طريق الديمقراطية. ومن المهم أيضاً إشراك القوى السياسية الأخرى والمجتمع المدني من أجل طمأنتهم بأن الولايات المتحدة تدرك وتعترف بمساهمتهم التاريخية في تقدم تونس وستراقب عن كثب الطريقة التي سيعامَلون بها، وهو ما سيشكل اختباراً للحكومة الجديدة. كما ينبغي على الولايات المتحدة أن تضغط على حلفائها الأوروبيين لكي يبعثوا بالرسالة نفسها. وأخيراً، يتعين على الولايات المتحدة أن تقدم لتونس حزمة من أشكال الدعم الاقتصادي والأمني والتجاري والإداري تمتد لسنوات، ومن ذلك استثمارات منخفضة الكلفة ولكن ذات إمكانية تحقيق عائد كبير في عمل المؤسسات الديمقراطية الجديدة مثل البرلمان. لقد أظهر التونسيون أنهم يتحلون بحس المسؤولية من خلال رعايتهم ودفاعهم عن مجتمع حر خلال الثلاث سنوات الماضية؛ والآن حان دور علمانيي تونس الصاعدين لأن يستكملوا الطريق، مثلما حان دور الولايات المتحدة وحلفائها الديمقراطيين لمساعدة كل تونس على النجاح. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «بلومبيرج نيوز سرفيس وواشنطن بوست»