أدى الرئيس التونسي المنتخب الباجي قائد السبسي اليمين الدستورية بعد أول انتخابات رئاسية حرة تشهدها البلاد وقال في خطاب تنصيبه «بصفتي رئيساً للدولة أتعهد بأن أكون رئيساً لكل التونسيين والتونسيات، وأن أكون ضامناً للوحدة الوطنية»، مضيفا «لا مستقبل دون توافق بين كل الأحزاب والأطراف الاجتماعية، ولا مستقبل لتونس دون مصالحة وطنية». ويشكل انتخاب السبسي خطوة مهمة في مستقبل تونس السياسي وهو مستقبل بلد عربي أشعل ثورات ما سمي «الربيع العربي» وكان نقطة البدء في سقوط أحجار الدومينو العربية! فبعد أربع سنوات من اندلاع الثورة التونسية في 17 من ديسمبر 2010 التي أطلق شرارتها إضرام الشاب محمد البوعزيزي النار في جسده احتجاجاً على البطالة والظلم لتتسع دائرة التظاهرات وصولًا إلى تنحي الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 14 من يناير 2011، فكانت تونس محرضة التغيير وكانت نموذج دول «الربيع العربي» في التحول والاستقرار. واليوم يشار إلى التجربة التونسية بالاستثناء العربي فمنها بدأت أحداث «الربيع العربي» وسقطت أحجار الدومينو العربية في مصر وليبيا وسوريا واليمن، ومعها شلالات الدم بمظاهرات دامية وحروب في ليبيا وسوريا تباعاً.. ففي ليبيا وسوريا ما زالت الحرب الأهلية تؤججها الطائفية وصراع النفوذ والمصالح حتى أصبح الأمن والاستقرار السياسي حلماً.. صحيح في تونس أن تنحي بن علي باغت النخب السياسية هناك فلم تكن أحزاب المعارضة مستعدة تماماً لملء الفراغ فكانت الفرصة مواتية لحزب «النهضة» ليتصدر المشهد السياسي، ولكن تونس كانت الاستثناء فالعملية السياسية مرت بسلاسة ولم تقع التجربة التونسية في فخ حالة عدم استقرار ما بعد الثورات طويلاً، بعد ثلاث سنوات من الاستقطاب السياسي الحاد حول التوجه السياسي للبلاد مستقبلًا. وبعد المصادقة على الدستور التونسي الجديد في 26 يناير 2014، والانتقال إلى حكومة من التكنوقراط، أدى المسار إلى إعادة ترتيب اللاعبين في الحياة السياسية، فبعد أن تصدر حزب «النهضة» المشهد إثر الثورة بعد أن كان محظوراً إبان عهد بن علي عادت إلى الصورة بقوة الأحزاب العلمانية التي سرعان ما تحالفت تحت لواء جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة بعد تأجج العنف السياسي والخوف الشعبي من سيطرة الإسلام السياسي في مجتمع تأسس على العلمانية، هذا إضافة إلى استمرار تدهور الوضع الاقتصادي أيضاً. وفي الحقيقة تملك تونس مقومات إنجاح التجربة الديمقراطية أكثر من غيرها من دول ثورات «الربيع العربي»، فهي تملك مقومات تاريخية وتجربة اجتماعية فريدة ويتفق الكثيرون على إرجاع الفضل في ذلك لمؤسس الدولة التونسية الحبيب بورقيبة وسياساته طوال حكمه الممتد من 28 عاماً (في الفترة من عام 1957 إلى 1987) حيث اهتم بالتعليم والتحديث الاجتماعي وقضايا تحرير المرأة إضافة إلى وجود مؤسسات مجتمع مدني راسخة، واليوم تمثل التجربة التونسية مثالًا صاعداً لعملية التحول الديمقراطي يمكن أن تلهم الآخرين في دول «الربيع العربي». الآن يواجه الرئيس التونسي المنتخب عدداً من القضايا والمشاكل المستفحلة وخاصة أن قضايا الركود الاقتصادي والبطالة والفساد وهي المحرك الأساسي للاحتجاجات قبل أربع سنوات لا زالت قضايا عالقة وقد تأجلت معالجتها حتى الانتهاء من ترتيب البيت التونسي، وهي قضايا رئيسية ستواجه الحكومة التونسية وتنتظر حلولًا «سحرية» وتستدعي من الدول العربية والخليجية خاصة الاستثمار في استقرار تونس ودعم نموذجها الديمقراطي الناشئ.