كان عام 2014 ثقيلاً وكان هو الأكثر دموية ووحشية وإزهاقاً للأرواح في سوريا والعراق وفلسطين وليبيا واليمن ولبنان. وبقيت الأزمة السورية هي الكارثة الكبرى التي يعاني منها العرب. وقد سجلت انتخابات عديدة في جمهوريات العرب التي شهدت نهاية مأساوية لما عُرف بـ«الربيع العربي» الذي تحول إلى خريف فوضى وصراع وحروب وعدم استقرار، وقد جرت انتخابات رئاسية في الجزائر وسوريا ومصر وتونس، وأخرى برلمانية في العراق، وسجل فراغ رئاسي في لبنان وتجديد البرلمان هناك لنوابه للمرة الثانية خلال عامين.. كما سجل أيضاً تفاقم خطر تنظيم «داعش» بعد سيطرته على ثلث أراضي كل من سوريا والعراق واحتلاله للموصل ثاني أكبر المدن العراقية، وعودة الولايات المتحدة الأميركية عسكرياً للمنطقة وقيادتها منذ أغسطس 2014 لتحالف إقليمي ودولي انخرط في قصف مواقع ومقار «داعش» في العراق وسوريا. وفي ظل تنسيق غير معلن مع النظام في طهران ورسائل سرية يرسلها الرئيس أوباما للمرشد الأعلى في إيران، وتنسيق غير معلن أيضاً مع النظام السوري في قصف مواقع «داعش»، فهذا يبدو أن التقارب الأميركي- الإيراني أصبح استراتيجياً ولم يعد مقتصراً على الملف النووي وحده، بل يشمل ترتيبات إقليمية واعترافاً أميركياً بتنامي النفوذ والدور الإيراني في ملفات المنطقة. وفي خريف عام 2014 شكلت سيطرة الحوثيين -حلفاء إيران الزيديين- على العاصمة اليمنية صنعاء، وتفاخر قيادات ومرجعيات إيرانية دينية ورسمية وبرلمانية، ومن الحرس الثوري، بأن عاصمة عربية رابعة تسقط في دائرة النفوذ الإيراني، سبباً آخر لارتفاع مؤشر الحرب الباردة من صنعاء إلى بيروت بين الدول الخليجية وخاصة المملكة العربية السعودية وإيران. وانتهى العام على وقع مناورات إيرانية هي الأكبر امتدت من مضيق هرمز إلى باب المندب في دلالة على تمدد النفوذ الإيراني. وفيها رسائل موجهة لمن يعنيهم الأمر. والراهن أن دموية عام 2014 كانت حاضرة بقوة في سوريا والعراق وليبيا وفلسطين ولبنان والأرقام في هذا المقام مفزعة حقاً. فقد قضى خلال العام 76 ألف سوري ليصل عدد ضحايا الثورة والحرب الفاجعة هناك إلى ربع مليون، إضافة إلى مليون جريح و10 ملايين نازح في الداخل السوري، و3 ملايين في الخارج، وغابت بوادر الحل السياسي مع فشل «جنيف 2». وسجل العراق أيضاً أرقاماً مأساوية، وعاد لأيام الاحتلال الأميركي وسقط 15 ألفاً من شعبه قتلى للعنف والحروب الأهلية والطائفية واحتل تنظيم «داعش» ثلث أراضيه.. وقد جرت إزاحة نوري المالكي وحكمه الطائفي الإقصائي واستحضار زميله من حزب «الدعوة» حيدر العبادي لإعطاء وجه جميل لنظام بات طائفياً وإقصائياً عبر «مليشيات الحشد الشعبي»! ولكن هل ينجح العطار -العبادي- في إصلاح ما أفسده المالكي؟ اللافت أن إقصاء المالكي وتنصيب العبادي تم أيضاً بترتيبات بين واشنطن وطهران في استمرار لمسلسل التقارب والغزل بينهما تحت يافطة البرنامج النووي الإيراني، واستمرت طهران في شراء الوقت وترحيل الاتفاق لتحقيق مكاسب إقليمية، ولضمان إطلاق يدها كمرجعية إقليمية! وتجاوزت أيضاً إسرائيل في حربها الثالثة على غزة في صيف عام 2014 كل الخطوط الحمراء، وقتلت أكثر من ألفي فلسطيني وجرحت أكثر من 12 ألفاً وهجّرت نصف مليون من سكان قطاع غزة في حرب إرادات وتوازن رعب مع «حماس»، وردت السلطة الفلسطينية في خطوة جريئة بعد استخدام واشنطن لـ«الفيتو» في مجلس الأمن وفشل مشروع قرار إنهاء الاحتلال في المنظمة الدولية في نهاية عام 2014 بالانضمام لـ«اتفاقية روما» ومحكمة الجنايات الدولية لمقاضاة إسرائيل على جرائم الحرب التي ترتكبها ضد الشعب الفلسطيني. كل ذلك وسط غضب إسرائيلي ورفض أميركي. وكان ملفتاً في عام 2014 أيضاً التنسيق الخليجي في مواجهة الإرهاب. فقد أعلنت السعودية منظمات إسلامية متطرفة كجماعات إرهابية، وعلى رأسها «الإخوان المسلمون» و«داعش» و«جبهة النصرة» و«الحوثيون» و«حزب الله» السعودي وغيرها من منظمات إرهابية، فيما أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة 80 منظمة إرهابية على رأسها «جمعية الإصلاح» -«الإخوان المسلمون» الإماراتية و«أنصار الله» و«القاعدة» و«داعش» و«الحوثيون» اليمنية و«حزب الله» في دول مجلس التعاون الخليجي و«اتحاد العلماء المسلمين» و«عصائب أهل الحق» و«لواء أبو فضل العباس» في العراق، و«بوكو حرام» في نيجيريا و«كير» في أميركا وغيرها من المنظمات الإرهابية. ولاحقاً انضمت جميع دول مجلس التعاون وخاصة السعودية والإمارات والبحرين وقطر إلى قيادة التحالف الإقليمي في الحرب على تنظيم «داعش» في سوريا والعراق. وفي المجمل، قد يكون أفضل ما في عام 2014، عام الكوارث والدم والفوضى والاحتقانات الإقليمية والدولية، هو رحيله إلى غير رجعة. فعلى المستويين الإقليمي والدولي زادت الهوة وعدم الثقة بين الدول، مع تدفق سيل الدماء وغياب المرجعيات. وتكرست أجواء الحرب الباردة إقليمياً ودولياً وزاد الاستقطاب والاحتراب وخاصة في عالمنا العربي، الذي ما زال يراوح في مخاض إقليمي بلا نظام.