لا يكاد يمر يوم منذ الفشل في التوصل إلى اتفاقٍ بشأن النووي بين الولايات المتحدة وإيران، إلاّ ويخرج علينا مسؤول مدني أو عسكري إيراني مفتخراً بالاستيلاء على دولٍ عربية إمّا من جانب الميليشيات الشيعية (العربية) التي سلْحتْها إيران، والتي يسميها الإيرانيون جيوشاً شعبية عملت وتعمل لمصلحة «الثورة»– أو من جانب قوات الحرس الثوري التي غيّرت الموازين الاستراتيجية في البر والبحر! وكان علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإيراني قد قال في لبنان إنّ بعض التنظيمات الإيرانية هذه هي أفعَلُ من الدول، وضرب مَثَلاً على ذلك كلاً من «حزب الله» و«حماس»! وهكذا فهناك عدة وجوه في نظر إيرانيي نظام ولاية الفقيه للتقدم الإيراني في المنطقة العربية: إقامة تنظيمات (فاعلة) أكثر من الدول- وانتصار الثورة أو انتصار ممارساتها خارج الحدود- وحق إيران «الثورة» في التدخل في العالم العربي لحماية الشيعة تارةً، ولنشر قيم «الثورة» تارةً أُخرى- وأخيراً وليس آخراً القول بالتغير الاستراتيجي بالمنطقة لمصلحة إيران، في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل. والتغير الظاهر لمصلحة إيران أو لمصلحة ميليشيات تابعة لها مباشرةً حاصل بالفعل. فقد أطْلعَنا، نائب قائد الحرس الثوري على واقعة ما كنا نعرفُها، وهي أنه حتى في سوريا ما أرسلت إيران «حزب الله» من لبنان، وميليشيات من العراق وأفغانستان واليمن فقط؛ بل أنشأت تنظيماً اسمه «حزب الله» في سوريا. ولأنّ تنظيماً خاضعاً لسلطة الولي المرشد بالمعنى الديني لا بد أن يكونَ شيعياً، ولأنّ الشيعة في سوريا لا يزيدون عدداً على المئة ألف صغاراً وكباراً؛ فإنّ قيام تنظيم شيعي في سوريا، لا بد أنه اعتمد – كما تواردت الأنباء – على شيعةٍ من العراق وأفغانستان ولبنان واليمن جرى تجنيسهم وتمليكهم في سوريا! وكلُّ ذلك بموافقة الرئيس القومي العربي (الأخير) بشار الأسد! معظم الوقائع التي ذكرها ولايتي ولاريجاني وجعفري وآخرون خلال الأسابيع الماضية كانت معروفة. إنما لماذا اهتمّ المسؤولون السياسيون والعسكريون بحشدها والإعلان عنها هذه الأيام؟ لنلاحظ أنّ كلَّ الذين تحدثوا عن قوة إيران في البلاد العربية هم إمّا مستشارون للمرشد أو قريبون منه، أو قادة في الحرس الثوري العامل بالفعل في البلاد العربية. ولذلك يريد مراقبون غربيون وإيرانيون معارضون الاستنتاج أنّ هؤلاء يريدون المزايدة على الرئيس روحاني وسياساته التي يعتبرونها مُحابيةً لأميركا وللعرب. وأنه يكون عليه مراعاة مصالحهم بالداخل، وتقدمهم في السياسات الخارجية، فهم شركاء في كل شيء، دونما أوهامٍ يمكن أن تنشأ لدى روحاني وطاقمه نتيجة نجاحه الكاسح في الانتخابات الرئاسية. على أنّ هناك من يقول (من المراقبين الفرنسيين على الخصوص) إنّ التنسيق قائمٌ بين الطرفين من خلال مكتب القائد. وإنّ رفع وتيرة التصعيد ( في اليمن وسوريا مثلاً) إنما كان بناءً على طلب روحاني، لإنذار الأميركان (والعرب) بما يمكن أن يحدث إذا لم تُستجبْ رغباتُ إيران في النووي وفي المنطقة. بيد أنّ هذه «الإيجابيات» الظاهرة في نظر الحرس الثوري ومكتب القائد لا تبدو في الأبناء المتسربة من أوساط أنصار إيران في العراق وسوريا ولبنان. فنظام الأسد يبدو ضعفُهُ بقدر ما يبدو ضعفُ وانقسام مُعارضيه. وبين الحرس الثوري وميليشياته في سوريا آلاف القتلى والجرحى. لم تعد إيران تتحمل الإنفاق على نظام الأسد وعلى الميليشيات التي أرسلتْها لمساعدته. فالحرس الثوري الذي يقود ميليشيات جديدة وقديمة بالعراق واليمن أيضاً، يزيد الأعباء على نفسِه وعلى الدولة الإيرانية. والخصوم والأصدقاء يعرفون أنها التزاماتٌ لا تفيد إيران في شيء، إلاّ إذا كانت أرباحثها تقاس بمدى التخريب في دول الجوار وبلدانه. لقد قال رفسنجاني مراراً إنّ التحشيد الطائفي الإيراني وشتم الصحابة هو الذي أنتج «داعشاً» وأمثاله. وهذا يعني أنّ اجتياحات الحرس الثوري للبلدان والإنسان والعمران، ولّدت وستولّد موجات عنف جديدة بالفعل وردَّ الفعل. فاندفاعاتُ الحرس الثوري الطائفية الفَخُور، لها نتائج مفزعة على المجتمعات العربية الشيعية والسنية؛ لكنْ لها أيضاً نتائج بعيدة المدى على المجتمع الإيراني والدولة الإيرانية. فإيران مجتمع تعددي أيضاً. وفي الأهواز حركة تسنُّنٍ وتسلُّف لا لشيء إلاّ انتقاماً للقمع الطائفي والإثني الذي تمارسه السلطة. وعندما ظهر «داعش» في الموصل، ظهرت مئاتُ الشعارات المؤيِّدة له في منطقة ساننداج الكردية بإيران! ـ ـ ــ ـ ـ أستاذ الدراساتت الإسلامية بالجامعة اللبنانية