خلال سنوات الاتحاد الثلاث والأربعين، شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة، العديد من المبادرات والقرارات التي تصب في صالح رفاهية الإنسان الإماراتي، وضمان الحياة الكريمة له، باعتباره محور العملية التنموية والركيزة الأساسية للتقدم والتطور، وكانت هذه المبادرات في البداية برعاية الأب المؤسس المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ومن بعده برعاية قائد المسيرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الذي دأب يقول: "إن الإنجاز الأكبر والأعظم الذي نفخر به، هو بناء إنسان الإمارات وإعداده وتأهيله ليحتل مكانه، ويسهم في بناء وطنه والوصول به إلى مصاف الدول المتقدمة". وجعلت الإمارات قضية تمكين المواطن على رأس أولويات الرؤى الاستراتيجية الوطنية، بل إنها تبنت استراتيجيات خاصة بذلك، كالاستراتيجية الوطنية للتوطين، التي تعتبر التوطين مصلحة وطنية، ومطلباً أساسياً للأمن الوطني والنمو والتنمية، وتسعى إلى تطوير العمل الحكومي والمؤسسي عبر تدعيمه بالعنصر البشري المواطن في مختلف المناصب والوظائف، وعبر مواجهة الممارسات التي تتنافى مع سياسة التوطين، كالتسرب الوظيفي وتلاعب المؤسسات والشركات في نسب التوطين، أو قيامها بإنهاء خدمات المواطنين. ومؤخراً كشفت إحصائية لوزارة التربية والتعليم، عن ارتفاع نسبة استقالة المعلمين المواطنين بنحو الثلث، حيث بلغت حالات الاستقالة في الفصل الدراسي الأول فقط 319 حالة في مختلف المناطق التعليمية بالدولة، وتصدر المعلمون المواطنون قائمة الاستقالات بواقع 182 معلم ومعلمة، وردت الوزارة ذلك إلى أسباب عدة، على رأسها حصول المعلمين على وظائف بمزايا أفضل والرغبة في التقاعد وأسباب صحية. وجدير بالذكر أن جهات رسمية، كاللجنة المؤقتة للتوطين في القطاعين الحكومي والخاص بالمجلس الوطني الاتحادي، حذرت مسبقاً، من استقالة مواطنين غالبيتهم من حملة شهادة البكالوريوس والدراسات العليا من عدد من الوظائف، بالتزامن مع انخفاض عدد المعينين الجدد من المواطنين في نفس الفترة في الوظائف ذاتها، ما يترتب عليه آثار سلبية في خطط الدولة التنموية. وفيما يتعلق بقطاع التعليم نجد أنه إضافة إلى كون استقالة المعلم تربك العملية التعليمية بشكل عام، فإنها في الوقت نفسه تخل بمساعي الدولة في رفع نسبة الكادر التعليمي المواطن من الجنسين، باعتباره أحد استحقاقات تحقيق تعزيز الهوية الوطنية وترسيخها في نفوس الأجيال القادمة، ولاسيما في ظل الانفتاح الثقافي على العالم، وما يمثله ذلك من تحدٍّ في ظل الأوضاع الراهنة التي تشهدها المنطقة. وقد شهدت الفترة الماضية بعض حالات تسريح الموظفين المواطنين من مؤسسات القطاع الخاص بالدولة، في ظاهرة تنعكس سلباً على جهود التوطين، فجاء تسببها إهداراً للجهود والأموال التي بذلتها- وتبذلها- الدولة، التي من بينها إطلاق العديد من المبادرات كـ"مبادرة أبشر"، والبرامج التحفيزية المختلفة التي تسعى إلى ضمان التحاق الكوادر المواطنة بالوظائف، وجهود الدولة في تقليص الفجوة بين الرواتب والامتيازات ما بين القطاعين الحكومي والخاص، ودعم الشركات المشاركة في المبادرة بتحمل نسب من المكافآت الشهرية وتكاليف التدريب المقدمة للموظف المواطن، إلى غير ذلك، فإنها كذلك تتسبب في إشعار الكوادر البشرية المواطنة بغياب الاستقرار الوظيفي، وتخوفها على مستقبلها الوظيفي في أثناء عملها بالقطاع الخاص، فيما كان من أبرز مسببات العزوف عن العمل في الوظائف المتاحة في هذا القطاع على الرغم من أهميتها. وفي مواجهة جميع هذه المظاهر، فإن كل الأفراد والمؤسسات الخاصة والمؤسسات الحكومية، وجميع مكونات المجتمع الإماراتي، مسؤولون عن دعم جهود التوطين وترسيخها، فالتوطين مطلب وطني، يستفيد منه الجميع ويلتزم به الجميع أيضاً. ـ ـ ـ ـ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.