من الأمثلة المتداولة في السياسة العربية عند بعض الحكومات الديمقراطية «جوع شعبك يتبعك»، لكن الفقر الذي لف بعض أرجاء الوطن العربي حوّل الإنسان العربي الذي اشتهر بتقدير من يحكمه إلى ثائر يردد مع الشاعر: إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد ان يستجيب «البشر»، مع الاعتذار للشاعر. فالجوع حوّلهم من أتباع إلى سباع في قوة تحدّت كل ما وقف في وجهها من منظومات. من درس الأسباب المباشرة لظاهرة الفوضى الهدامة التي ابتليت بها بعض أرجاء الوطن العربي، يجد أن الفقر سبب أساسي في تلك القلاقل، وهو من العوامل الأساسية في خروج الناس إلى الشوارع مطالبين بالتغيير. عامة الناس كان توجههم قد يكون مبرراً، فمن يعارض مبدأ العدالة أو إتاحة فرص متساوية للنمو الاقتصادي، لكن ما يُعرف بحركات الإسلام السياسي وعلى رأسهم «الإخوان المسلمون» ركبت موجة الشعوب الجائعة لإقامة دولتهم التي كانوا يحلمون بها، بيد أن الشعوب الغاضبة على الماضي رأت فيهم مستقبلاً لا يقل خطراً عما مضى، فكانت حركات التصحيح التي رأيناها في مصر عبر المسيرات، وفي تونس خلال الانتخابات. وقد أعجبني ما نشر الأسبوع الماضي في The Guardian إن تونس تعد «استثناءً في العالم العربي، إذ أنها أكملت بسلام عملية انتخابية ديمقراطية بعد 4 أعوام من سقوط ديكتاتور كان يحكمها»، في إشارة إلى الإطاحة بـ«زين العابدين بن علي» عام 2011، وأضافت الصحيفة أن العملية السياسية في تونس تختلف بشكل كبير عن اضطرابات مأساوية شهدتها المنطقة، تعاني سوريا من «حرب أهلية»، وتعيش ليبيا في «فوضى كبيرة». الدول التي لم تشهد هذه الظاهرة حكماؤها راجعوا بعض سياساتها من أجل مستقبل أفضل، وقد أصاب الباجي قائد السبسي، الفائز في الانتخابات الرئاسية التونسية عندما نشر مقالاً يلخص تجربة تونس، وبإمكان العرب الاستفادة منه حيث كتب لـ «Washington Post» عن أولوياته وأولويات حزبه «حركة نداء تونس» في المرحلة القادمة، والتي لخصها بـ3 محاور هي: إنقاذ الاقتصاد الوطني وتوفير الأمن والاستقرار ودعم الديمقراطية الناشئة، وعبر السبسي في خاتمة مقاله عن أمله في أن يواصل «الإسلاميون» في تونس السير في طريق الحوار والتوافق، مؤكداً أن «تونس ستثبت أن الديمقراطية يمكن أن تنجح في الدول العربية الإسلامية». أهم مرتكزات النجاح في العالم المعاصر عبر عنها الرئيس التونسي المنتخب وهي اقتصاد قوي، استقرار وأمن وطني ومشاركة شعبية لإدارة الشأن العام. في تصوري المتواضع ما ذكر يمثل ملخصاً لإنقاذ دول العالم العربي من نفق الأزمات التي تمر بها. الإنسان العربي بحاجة لحكومة تؤمِّن له الحياة الإقتصادية الكريمة عبر إتاحة أكبر قدر من فرص العمل في القطاعين العام والخاص، وهذا ليس ترفاً فكرياً، بل ضرورة إنسانية. فجل الاضطرابات التي بدأت في تونس، أو حتى في الدول الأوروبية، كان الاقتصاد يمثل شرارتها الأولى. المحور الثاني هو الأمن فلا حياة كريمة لإنسان في وطن لا يأمن فيه على نفسه وماله. الاستقرار يُعد نعمة لا يعرف خطورتها إلا من فقدها، الأمن يتطلب الموازنة القانونية بين حقوق الفرد وواجباته، والمصالح العليا للدول. وأكبر تهديد للأمن في منطقتنا، هو التنظيمات السرية، التي تفت من وحدة الوطن وتزعزع الانتماء والولاء. أما المحور الثالث، فهو المشاركة، ولها أنماط مختلفة تختار الدول ما يناسب تطورها التاريخي وتركيبتها السكانية، لكن الكل يجمع على أن الإنسان ينبغي أن يكون شريكاً لحكومته في صناعة مستقبله، هذا هو الربيع العربي الحقيقي وليس ما شهده العرب من تحزبات وصراعات. أكاديمي إماراتي