عندما هاجم صحفي آخر «ويليام هوارد رسل» لأنه نقل روايات كاذبة عن معركة «بول ران»، رفض «رسل» كلام منتقده ووصفه بأنه مثير للاشمئزاز. وفي عام 1862، وصفت صحيفة «شيكاغو تايمز» الرئيس أبراهام لينكولن بأنه «أبله متردد ومتذبذب». وبالنسبة لصحيفة «تشارلستون ميكوري»، كان الرئيس أبراهام لينكولن بمثابة «إنسان الغاب في البيت الأبيض». أما صحيفة «نيويورك هيرالد»، فقد اعتبرت جيمس بولك «مثيراً للسخرية ووضيعاً وتافهاً»، على الرغم من أنه كان المرشح الذي دعمته الصحيفة في تلك الأيام. وقد يشعر القراء المعاصرون بالاستياء لخشونة النقاش العام في أميركا، وقد يخشون أن يشهد عام 2015 شحذاً للتعصب، ولكنهم ربما يجدون بعض الراحة في الكتاب الذي صدر مؤخراً للكاتب «هارولد هولزر» وعنوانه: «لينكولن وقوة الصحافة: حرب الرأي العام». ويروي «هولزر» قصة الصحافة الأميركية التي عصف بها التحزب والتنافسية منذ قرن ونصف قرن من الزمن. وقد أتاحت التكنولوجيا- المطابع السريعة والتلغراف وتوسيع شبكات السكك الحديدية- للصحف الوصول إلى عدد أكبر من الناس وتقديم المزيد من الأنباء وقت حدوثها. وعندما انتهت الحرب الأميركية- المكسيكية، واصلت الصحف إعادة مناقشة قرار القتال، مما زاد من المرارة التي ساعدت على زيادة مبيعات الصحافة. وحتى خلال الحرب الأهلية، تغلب التحزب أيضاً على الوحدة الوطنية. ولذلك، بالنسبة لصحافة ولاية فيلادلفيا الموالية للحزب الجمهوري، فإن خطاب جيتيسبرج للرئيس لينكولن كان «خالداً». وبالنسبة لـ«شيكاغو تايمز» الموالية للحزب الديمقراطي، كان الخطاب «أحمق وسطحياً بشكل لا يوصف، ولا معنى له». وفي الوقت نفسه، غاب عن الصحف الرئيسية الثلاث في مدينة نيويورك -التايمز وهيرالد وتريبيون– المغزى من ملاحظات لينكولن المقتضبة، مع التركيز على الخطاب الرئيسي الذي استغرق ساعتين والذي ألقاه الخطيب الشهير في ذلك الوقت «إدوارد إيفرت». وطوال حياته المهنية، كان لينكولن يفهم الحاجة الملحة لاستخدام الصحافة وصعوبة ذلك، وخاصة خلال مواسم الانتخابات، حيث كان من المتوقع أن يلزم المرشحون الرئاسيون المنازل ولا ينظمون حملات. وقد ذكر خلال مناظراته في عام 1858 مع «ستيفين دوجلاس» أن «الشعور العام هو كل شيء»، وذهب إلى أبعد مدى في تشكيل هذا الشعور- بما في ذلك كتابته لمقالات افتتاحية، باسم مجهول. وكرئيس، كان لينكولن يمضي ساعات في إشباع الغرور الهائل لمحرري الصحف المهمة وتحفيز النوايا الحسنة لشباب الصحفيين المفعمين بالحيوية. وقد يظهر الصحفيون في البيت الأبيض، من دون أن توجه إليهم الدعوة، في ساعات غريبة، ويسمح لهم الرئيس بالدخول، ويضع قدميه على مكتبه، ويتبادل معهم الأخبار والقيل والقال، بغض النظر عن الضجر الذي قد يشعر به. وقد قال لينكولن لأحد الزوار: «لا يستطيع أي إنسان، سواء كان مواطناً عادياً أو رئيساً للولايات المتحدة، أن يثير جدلًا مع صحيفة كبيرة، وينجو من الدمار، إلا إذا كان يمتلك صحيفة كبيرة بنفس القدر، ويتم تداولها في نفس الحي». وعندما كان لينكولن يقرأ افتتاحيات ناقدة، كان وجهه يكتسي «حمرة الغضب». كما كان يحتفظ بملف من «المقالات الخسيسة». وبحلول عام 1864، ومع تواصل الحرب بصورة دموية، تغير الرئيس الذي كان قارئاً جيداً ومساهماً في الصحف طوال حياته، حيث تخلى عن ذلك إلى حد كبير، كما ذكر طاقم السكرتارية الخاص به. وعلى رغم ذلك، عندما تم اغتياله في العام التالي، كان جيبه يحتوي على تسع مقالات مقصوصة بعناية، والعديد منها يمتدح إنجازاته. وفي النهاية، يقول «هولزر»: إن الحقيقة هي أن لينكولن استطاع أن يتفوق على المحررين من خلال مناشدتهم في رسائل وخطب صادقة وعاطفية ويسهل للعامة الوصول إليها، حتى قبل وقت طويل من ظهور الثرثرات النارية وحسابات التويتر. وسيسعد المتفائلون في أميركا بهذا الكتاب. فعلى رغم كل شيء تم تنوير الناخبين الأميركيين من خلال الصحف لانتخاب الرجل المناسب في 1860، وإعادة انتخابه لأربع سنوات أخرى. ونجا الشعب من التحزب الكريه. وربما يتذكر المتشائمون أيضاً أن الشعب قد نجا يومها عن طريق حرب أهلية كارثية. ---------- * محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»