في سجالات الستينيات من القرن الماضي قيل يومها إن القيم الثورية عادت للظهور بعد ثورة اليمن في سبتمبر 1962 وقد ظهرت قيم الحرية والتحرر بالإضافة إلى النظام الجمهوري الجديد، حكم الشعب بالشعب والقيم الاشتراكية الجديدة! فقد كانت معركة الإسلام والاشتراكية في أوجها. لقد قامت ثورة 23 يوليو في مصر وهي تحمل قيم الإسلام التي خرج بها إلى العالم أول مرة، وأولها الحرية، حرية الفرد وحرية الوطن. فقد حرر الإسلام كما حررت الثورة الفرد من سيطرة رأس المال وكل أشكال السيطرة. لقد عادت الثورة تثبت دعائم الإسلام التي قوضتها «الخلافة» في العهد العثماني وحررت المسلمين من الاستعمار البريطاني. ثم قامت ثورة اليمن فحررت من يمكن تسميتهم «العلماء الأحرار» و«الضباط الأحرار» من السجون. إن رسالة الإسلام هي رسالة الحرية والمساواة. لقد ساهم اليمن في نشر الإسلام في مختلف أرجاء الأرض ولكن الحال السياسي، في ظروف تاريخية معينة، عزل اليمن فقامت الثورة لتعيد إلى اليمن رسالته في الحرية والتضامن، رسالة الإسلام الأولى. ورسالة الإسلام أن يكون الأمر شورى، يشعر فيه كل فرد بحقه في الحرية والحياة. لم يكن حكم اليمن قائماً على الشورى بل على مبدأ السيطرة والتحكم. ولكن ثورة اليمن أعادت إليه حكم الشورى، من وجهة نظر أنصارها، حكم الإسلام الممثل في مجلس الأمة وحق كل فرد في التعبير الحر عن رأيه. وعلى هذا النحو ترسى دعائم النظام الاجتماعي السياسي بفهم مستنير. فالإسلام يعني المساواة وأن ينال كل فرد في المجتمع حقوقه كاملة غير منقوصة. ويكفي أنه مسلم وله حق الحرية والمساواة. والنظام الجمهوري يمكن أن تتحقق فيه هذه المبادئ الإسلامية عادة كالشورى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمبادئ التي قامت من أجلها الثورة في الديمقراطية والمساواة. فالجمهورية تعني اختيار الشعب بإرادته الحرة الحكم الذي يتولى شؤونه. ليس بالإسلام كهنوت يحكم فيه رجال الدين، ويستطيع الشعب أن يعزل نظام الحكم إذا انحرف عن مصلحة الشعب وإرادته. ولما كانت الثورة في حاجة إلى البذل والعطاء فإن الإسلام يوفر لها ما تريد بما يقدمه للناس من قيم التفاني والاجتهاد والتضحية في سبيل خدمة الأوطان، ومد يد المساعدة للإأنسان، وقيم التراحم والتكافل التي تتضح في عيد الفطر وعيد الأضحى. فالصائم يضحي بمأكله وشرابه في سبيل الإحساس بمعاناة الآخرين. ونبي الله إبراهيم عليه السلام ضحى بابنه طاعة لله سبحانه وتعالى، وتنفيذاً لأمره. وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم كلها قدوة حسنة، وتضحية في حربه للمشركين حتى فتح مكة. والإنسان هو الذي حمل الأمانة بعد أن أبتها السماوات والأرض والجبال، والمسلم هو الذي عقد تجارة مع الله سبحانه وتعالى بالطاعة والعمل الصالح. فالإسلام اجتهاد، وما فرضت العبادات في الإسلام إلا لتقوية النفس وإعدادها لخوض مكابدات الحياة خدمة ودفاعاً عن الوطن (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ المؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ). وتتحقق أماني الشعوب بالأعمال وليس بالأماني والمنى. وقد أعطت المسيحية أيضاً درس الاجتهاد والتضحية في حياة المسيح عليه السلام والحواريين والمؤمنين وما لاقوه جميعاً من اضطهاد الرومان. طريق الاجتهاد وعمارة الأرض والهداية إذن هو طريق الأنبياء، طريق العمل والاجتهاد. وما قام به «الضباط الأحرار» في خدمة مصر، من وجهة نظر أنصارهم، هو نوع من أنواع الجهاد والاجتهاد.