ما نعانيه هو مؤامرة من مؤامرات الأعداء على الشرق العربي لمصلحة إسرائيل ومصالحها في المنطقة. تابعت في الأسابيع الماضية حيثيات المؤتمر الذي عقده الأزهر الشريف في الفترة من 3 إلى 4 ديسمبر 2014 تحت عنوان «مؤتمر الأزهر الشريف لمواجهة الإرهاب والتطرف»، وجمع شخصيات بارزة من الشرق العربي والإسلامي والعالم من مسلمين سُنة وشيعة، وكذلك مسيحيين على اختلاف طوائفهم، ومن عقائد أخرى نشأت على أرض هذا الشرق. أهمية هذا المؤتمر تكمن في أنه جاء في وقت بالغ الحساسية والدقة، في وقت تشهد المنطقة العربية حالة من الفوضى التي صنعها وتيرة التطرف والإرهاب، والفتنة الطائفية والمذهبية العمياء، والتي لونت الساحة العربية والإسلامية بلون الدم، وجعلت المنطقة تقترب من منزلق غاية في الخطورة على الدين وعلى الأمة العربية والإسلامية، وسمحت للتدخل الخارجي بأن يشعل المنطقة. وقد رسمت كلمة فضيلة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف خريطة واضحة ودقيقة ومفصلة لهذا الواقع المؤلم الذي تعيشه الأمة اليوم، خاصة عندما قال: «الباحث في أسباب ظهور هذه التنظيمات المسلحة وتمددها السريع في الدول العربية والإسلامية تطالعه تفسيرات شتى، منها الديني والاقتصادي، والحضاري، والسياسي، ومنها غير ذلك». ولم يتوقف عند تلك الأسباب فقط، بل إنه أراد أن يوقظ الأمة من سباقها، ويقودها إلى الأمر الخطير الذي يستهدف وجودها وهوانها تتعرض لمؤامرة خطيرة، خاصة عندما قال: «أود الإشارة إلى سبب يستحق أن نتأمله قليلاً وهو السبب الذي يرى أن ما نعانيه إن هو إلا مؤامرة من مؤامرات الأعداء على الشرق العربي لمصلحة دولة إسرائيل ومصالحها وبقائها الدولة الأقوى والأغنى في المنطقة..». مفسراً ذلك بما حدث ويحدث في العراق وسوريا واليمن وليبيا، ومؤكداً أن الهدف النهائي من هذه المؤامرة هو أن يبقى العرب والمسلمون في حالة من الضعف واليأس المستمر، وألا يُسمح لهم بأي شكل من أشكال القوة والتطور والتقدم. وبجانب نظرية المؤامرة التي تحدث عنها شيخ الأزهر الشريف، هناك أيضاً نقطة جوهرية اتفق عليها جميع المشاركين في المؤتمر، وهي حالة الفرقة والاختلاف التي تعانيها الأمة وعدم قدرتها على التوحد والاتحاد في مكون واحد ليكون لها مستوى عال من القوة والهيبة أمام الآخر، حيث إنها هي الآفة التي تسربت منها جميع المشكلات والأزمات التي أصابت الأمة العربية والإسلامية على مدى التاريخ، بل إنها من أخطر الثغرات التي تسللت منها يد القوى الخارجية التي تستهدف الأمة. وكذلك مسألة الغلو والتطرف التي أشار إليها المشاركون، والتي تسربت بقوة إلى عقول أبناء المنطقة العربية والإسلامية، وجعلت الكثير منهم يندفع نحو ممارسات عنيفة خارجة عن المألوف أدخلت مجتمعاتنا في منزلق خطير، لأن التطرف هو آفة العصر هو الخطر الحقيقي على الأمة هو الذي أدخلها في مثل هذا النفق المظلم من الفوضى والاضطراب الذي يعانيه المشهد العربي والإسلامي وهو الذي سهّل مهمة التدخل الخارجي لإشعال المنطقة، فالمتطرف شخص غير سوي، متعصب كاره لنفسه وللآخرين، ويصر على الاستمرار في خطئه، ويتجرأ بكل وقاحة رغم جهله على إحكام الدين بإصدار فتاوي يُكفِّر فيها الآخرين، ويبيح لنفسه قتلهم، وخاصة من يختلفون معه، وهو شخص يعاني حالة مرضية خطيرة تجعله يمارس كل أنواع الإرهاب الفكري. فعقل المتطرف عبارة عن «قنبلة فكرية موقوتة»، هي التي أفرزت بعد انفجارها كل هذه الفرق والجماعات المسلحة والميليشيات الطائفية. إننا نطالب بالمزيد من مثل هذه المؤتمرات التي تنير عقل الأمة وتبصرها إلى المسار الصحيح وتقودها إلى معرفة الأخطار التي أصبحت اليوم تحيط بالأمة من كل مكان. محمد الباهلي