إذا فاز نتنياهو مرة أخرى بمنصب رئيس وزراء إسرائيل، فإنه علينا من الآن أن نتوقع ماذا سيقدمه من سياسات تجاه القضية الفلسطينية. أرجو أن نستطيع تحضير خط سياسي فلسطيني وعربي تكون له القدرة على تحويل الدولة الفلسطينية من مجرد شعار ورقي إلى حقيقة مجسدة على الأرض. السؤال هو هل سيأتي نتنياهو بثوب جديد أم سيأتي مرتدياً نفس رداء التطرف المزخرف بالأطماع الصهيونية في الضفة الغربية والمُحلى بادعاءات البراجماتية السياسية. لقد تولى نتنياهو رئاسة وزراء إسرائيل لأول مرة عام 1996 في أعقاب حملة تابعتها شخصياً على شاشات الفضائيات الإسرائيلية شنها على رئيس الوزراء الجنرال اسحاق رابين، كانت حملة نتنياهو ضد رابين، الذي وقع اتفاقيات أوسلو مع الفلسطينيين تدور حول محور رئيسي، وهو أن رابين يسلم قلب (أرض إسرائيل) إلى أعدائها. هكذا رسم نتنياهو لرابين صورة اليهودي الخائن لوطنه وأشعل حماس حاخامات التطرف لإطلاق فتاوى دينية تحل دم رابين، إحداها فتوى (دين موسير) أي حكم من يسلم أرض إسرائيل للأعداء. والثانية فتوى (دين روديف)، أي حكم من يعرض حياة أخيه اليهودي للخطر. كلتا الفتويين منحت رخصة لكل يهودي يمكنه قتل رابين بأن يفعل ذلك، وهو متمتع ببركات السماء، لأنه سيزيح عن إسرائيل شراً مستطيراً. لقد شاهدت نتنياهو على الشاشات قبل مقتل رابين في نوفمبر 1995 بأيام وهو يخاب جماهير ليكود ومعسكر اليمنيين عموماً بقوله لقد حاولت وقف سياسات رابين بالطرق البرلمانية ولم أستطع. كانت هذه الجملة إشارة بأن ساعة العمل الدموي ضد رابين قد جاءت بعد أن فشلت الطرق السياسية في منعه من تسليم مدن وقرى الضفة للسلطة الفلسطينية. كان نتنياهو جزءاً من أيديولوجية "ليكود" ومعبراً بحماس عن شعار "الليكوديين" (بين النهر والبحر لا مكان إلا لدولة واحدة وهي إسرائيل). إذا فككنا كلمات الشعار، فسنجده اختصاراً لفكرة أرض إسرائيل الكاملة التي تضم الضفة الغربية إلى حدود إسرائيل. لقد مضى عشرون عاماً منذ خطاب نتنياهو الذي أعتبره خطاب تحريض على قتل رابين. ترى ماذا تغير في نتنياهو بين 1995 و2015. الأمر الوحيد الجديد عند نتنياهو، هو أنه استطاع إقناع رفاقه في "ليكود" بضرورة الانحناء أمام الضغوط العربية الأميركية المطالبة بدولة فلسطينية. من هنا تبين على مستوى الكلام واللفظ فقط فكرة التسوية القائمة على إقامة دولتين متجاورتين. لقد فعل نتنياهو ما فعله شامير عام 1991 عندما أرغمه الرئيس بوش الأب على حضور مؤتمر مدريد للسلام. لقد قال علناً: حسناً إذا كان العالم يريدنا أن نفاوض الفلسطينيين فسنفاوضهم، ولكن لمدة عشرين عاماً. عندما ألقى نتنياهو خطاباً بجامعة "بار إيلاف"، الذي أعلن فيه لأول مرة قبول ليكود للدولة الفلسطينية عام 2008، فإنما كان يجدد عهد شامير للتفاوض تحت هذا الشعار عشرين سنة جديدة نهايتها 2028، إن علينا أن نتابع من الآن حملات الانتخابات الإسرائيلية، التي ستجرى في 17 مارس 2015، وسنرى هل ينجح نتنياهو الجديد بثوبه القديم أم لا؟