فتح الاتفاق التاريخي بين الرئيس باراك أوباما ونظيره الكوبي، راؤول كاسترو، ما أسماه أوباما «فصلاً جديداً» في العلاقات بين البلدين، لكن مع ذلك ما زالنا في أول الصفحة، بحيث يتعين استكمال كتابة فصل كامل ليبقى السؤال ما الذي يتعين القيام به تالياً؟ في جميع الأحوال لن يأتي التغيير في العلاقات سريعاً، فقد استغرق الوقت ست سنوات بعد الزيارة التاريخية للرئيس نيكسون للصين في 1972 لإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية، كما انتظر البلدان 15 سنة أخرى قبل أن تمنح أميركا للصين وضعاً متقدماً في العلاقات التجارية، ومع أن المتوقع بالنسبة لكوبا أن تسير خطوات التطبيع على نحو أسرع، إلا أن التحرك في مسار ثابت نحو كوبا يستدعي موافقة الكونجرس، لا سيما وأن الجزء الأساسي والأكبر من الحصار الأميركي المفروض على كوبا ما زال قائماً في ظل المنع الذي تواجهه معظم الصادرات الأميركية للبلد، وأيضاً عدم قدرة كوبا على تصدير أي شيء إلى أميركا ما يحول دون حصول هافانا على العملة الصعبة الضرورية لمعاملاتها التجارية. وإذا كان أوباما قد تعهد بالانخراط مع الكونجرس لرفع العقوبات التجارية، إلا أن هذه الأخيرة اتخذت شكل قانون صادق عليه النواب الجمهوريون في 1996 ومن الصعب في ظل التركيبة الحالية للكونجرس رفعه بسهولة. وحتى لو استند أوباما على سلطاته التنفيذية للتفاوض حول إنهاء الحصار، ستطالب واشنطن كوبا بتعويضات لتأميم ممتلكاتها، فيما ستطالب كوبا بتعويضات على الأضرار التي لحقت بها بسبب تدخل وكالة الاستخبارات المركزية والعمليات السرية التي استهدفتها، ومن الخطوات الأخرى المهمة على طريق المصالحة ما وجه به أوباما وزير خارجيته، جون كيري، من ضرورة مراجعة وضع كوبا في قائمة البلدان الراعية للإرهاب، إذ من المتوقع أن يخلص كيري إلى توصية بشطب اسمها من تلك اللائحة لانتفاء الأسباب المقنعة، لكن حتى هذه الخطوة التي تبدو من صميم اختصاصات أوباما تتطلب إخطار الكونجرس أولاً، ما سيعطي لـ"الجمهوريين" المنتقدين لسياسة أوباما تجاه كوبا فرصة لتعطيلها. وعند الحديث عن «الجمهوريين»، الذين يناوئون أوباما يبرز خصوصاً اسم السيناتور «ماركو روبيو» من ولاية فلوريدا الذي تعهد بتعطيل مساعي أوباما لتعيين سفير أميركي في هافانا، بحيث من المتوقع أن يعرقل «روبيو»، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، ومعه السيناتور بوب مينديز، أي محاولات لإرسال سفير إلى كوبا، وقد يلجأ «الجمهوريون» أيضاً إلى تكتيك آخر لعرقلة جهود أوباما من خلال التحكم في صرف النفقات بمجلس الشيوخ. لكن وفيما يحتدم النقاش حول كوبا في الكونجرس ستواصل واشنطن وهافانا حوارهما الثنائي في محاولة لتذليل العقبات والتطرق لموضوعات أخرى في العلاقات بينهما لم تغطيها الاتفاقية الأخيرة، ومنها على سبيل المثال مصير برنامج «دعم الديمقراطية» في كوبا الذي تستمر الولايات المتحدة في تمويله لمساعدة المعارضة، وهو البرنامج الذي أدى إلى اعتقال آلان جروس في هافانا الذي كان يعمل كمتعاقد مع وكالة التنمية الدولية الأميركية، وقد اختار أوباما في خطابه حول كوبا بعث رسالة واضحة تنم عن رغبته في إنهاء البرنامج المذكور عندما قال «لن يفيد المصالح الأميركية، أو الشعب الكوبي في شيء الاستمرار في دفع كوبا نحو الانهيار»، يضاف إلى ذلك الملايين من الدولارات التي تنفقها الولايات المتحدة سنوياً لتمويل راديو وتلفزيون «مارتي» الموجه لكوبا، رغم أن موجات البث تتعرض للتشويش، كما أن جمهور الراديو في تناقص مستمر، وكانت كوبا قد اشتكت مراراً من أن البث ينتهك سيادتها الوطنية، واقترحت استقبال بث قناتي «سي إن إن» و«بي بي إس»، من دون أن توافق أميركا على ذلك، وأخيراً ستكون إحدى نقاط النقاش المهمة في تطوير العلاقات تحديد مصير القاعدة الأميركية في جوانتنامو، فكوبا تقول إن المنطقة جزء من ترابها وتطالب أميركا بإخلائها، فيما ترى الأخيرة أن المنطقة التي تستضيف قاعدة أميركية ما زالت خاضعة لمعاهد تأجير تعود للعام 1934. لكن وفي جميع الأحوال وحتى في ظل العقبات والصعوبات الكأداء أمام تطبيع العلاقات بين كوبا والولايات المتحدة، يجب ألا تنتقص من القفزة التاريخية التي تحققت مؤخراً في الاتفاق بين كاسترو وأوباما، والذي من شأنه أن يشرع الأبواب مستقبلاً لعلاقات أنضج وخالية من الصراع. ويليام إم ليوجراندي: أستاذ الإدارة الحكومية بالجامعة الأميركية بواشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»