يقض مضجعي ما حدث في روسيا العام الجاري بدرجة جعلتني أفكر في الرحيل. وأتوقع أن يكون عام 2015 أشد سوءا، فنظام الرئيس فلاديمير بوتين يوشك على التحول من الاستبدادية الخفيفة إلى الديكتاتورية الصريحة. وأوضح مثال على ذلك تغيير العقيدة العسكرية الروسية، وهو أمر لا ينذر بخير، إذ إن رد الكرملين على الأزمة الاقتصادية الدائرة سيكون فرض إجراءات صارمة على جميع علامات الاستياء الشعبي. وتبدو موسكو عازمة على محاصرة نفسها داخلياً واستكمال القطيعة مع العالم الغربي. وحذرُ روسيا من الغرب ليس شيئاً جديداً. ففي نسخة عام 2010 من العقيدة العسكرية -التي صدرت في عهد الرئيس الليبرالي ديمتري ميدفيدف- كان في مقدمة قائمة التهديدات الخارجية توسع حلف «الناتو» شرقاً باتجاه الحدود الروسية. وتكرر نسخة بوتين الجديدة بعد ضم شبه جزيرة القرم أن «الناتو» عدو ماكر يزحف نحو روسيا. ورغم ذلك، تختلف العقيدة العسكرية الجديدة عن النسخة القديمة في التعامل مع التحديات الداخلية، التي تواجه النظام الحاكم بصفتها مخاطر عسكرية تواجه الدولة. وفي حين تشير وثيقة 2010 فقط إلى «محاولات التغيير العنيف للنظام الدستوري في الفيدرالية الروسية»، تضيف نسخة 2014 «زعزعة استقرار الوضع السياسي والاجتماعي الداخلي في الدولة»، وحتى «الأنشطة ذات الصلة بالمعلومات التي من شأنها التأثير على السكان، وبصفة أساسية الشباب الروسي، بهدف تقويض القيم الوطنية والروحية والتاريخية في مجال الدفاع عن أرض الآباء». وبعبارة أخرى، باتت المعارضة السياسية الآن مصنفة على أنها أنشطة تستحق رداً عسكرياً. ويمثل ذلك تحولاً مهماً، فعلى رغم التضييق التدريجي للخناق، منذ بدأ بوتين فترته الرئاسية في عام 2012، كان الإجماع الذي استمر نحو 13 عاماً لا يزال قائماً في بداية ذلك العام متمثلاً في: حرية اقتصادية وسياسية أقل مقابل ثروة أكبر. وكانت المظاهرات عادة غير مؤثرة، وكان يتم السماح بها. وفي عام 2013، شاركت في مظاهرات كانت تنتهك بوضوح القوانين المقيدة التي تم سنها حديثاً، ومثل آلاف آخرين، هربت دون الإصابة بأذى. وكانت هناك وسائل إعلامية كافية لا تخضع للرقابة من أجل تنويع المصادر الإخبارية للقارئ، وكي تكتب فيها إذا كنت صحفياً. وكان الاقتصاد يتباطأ رغم نموه اعتماداً على المشروعات الحكومية العملاقة مثل دورة الألعاب الأولمبية في سوتشي. بيد أن البنوك كانت تواجه الفشل وأعداداً كبيرة من العمال يعانون من البطالة. ورغم ذلك، مع حلول عطلة العام الجديد، خلت شوارع موسكو، حيث سافر الأثرياء الروس إلى منتجعات التزلج الأوروبية والمناطق الاستوائية في جنوب شرق آسيا. وآنذاك كانت روسيا تبدو مثل أية دولة أوروبية، وعلى الأقل في المدن الكبرى، كان لا يزال هناك ازدهار نسبي، إلى أن تحطم الثلج في المملكة المجمدة، ومن تحتها الصرح. وأتصور أن نقطة التحول كانت في 22 فبراير الماضي، عندما تخلى الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش عن منصبه، وتدفقت الحشود الثورية والصحفيون الاستقصائيون إلى مقر إقامته بحثاً عن براهين تثبت فساد حكمه. وزرت المنزل السابق ليانوكفويتش، قبيل تأميمه، بينما كانت مجموعة من القوات يسيطرون على مبنى البرلمان المحلي في شبه جزيرة القرم، ممهدة الطريق لعملية سريعة جعلت القرم جزءاً من روسيا. وكان الأفراد المتطوعون لحماية منزل يانوكوفويش ينظرون إلى بعين الريبة بصفتي مواطناً روسياً، أي باعتباري عدواً محتملاً، ولكن كان من الصعب عليّ تخيل أن روسيا تتأهب حقيقة لغزو أوكرانيا. فقد كان الكرملين دائماً يتدخل في حكم كييف ولكنه كان يفعل ذلك من خلال الضغط الاقتصادي والتآمر، ولم يستخدم القوة أبداً. وبالطبع، شعرت بالسعادة لأنني لم أقم بتلك الزيارة في اليوم التالي لطلب بوتين إذناً من البرلمان بإرسال قوات إلى أوكرانيا. وبين ليلة وضحاها، باتت روسيا دولة مختلفة، تتبجح بتحدٍ لم تعتاد عليه. وسرعان ما قفز تأييد بوتين إلى أعلى من 80 في المئة، وأدلى بخطاب ملكي غير مسبوق، مرحباً بالقرم كمنطقة روسية جديدة. وبموجب قانون 2013 الذي حظر «الدعاية الانفصالية»، بات الحديث عن وضع القرم كجزء محتل من أوكرانيا جريمة. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»