بينما تتجه الولايات المتحدة نحو إثارة معركة سياسية حول الهجرة خلال العام الجديد، سيكون من بين المخاوف التي تؤثر على النقاش أن يتحسس الأميركيون الذين يتحدثون الإنجليزية ثقافياً ولغوياً من القادمين الجدد، ولاسيما أن لسان كثير منهم إسباني. وخير مثال على الجدل المرتقب، التراشق عبر القنوات الفضائية بين «جوزيه دياز بلارت» مقدم برامج قناة «تيلموندو»، والمذيعة «لاورا إنجراهام»، التي شعرت بالضيق لأن «دياز بلارت» نطق اسماً مكسيكياً بلكنة صحيحة، وأجرى حواراً ثنائي اللغة. وبالنسبة لي، تبدو القراءة عن الخلافات في أروقة مجلس العموم الكندي لحظة تدعو للاشمئزاز. ففي برلماننا، يتعثر الناطقون بالإنجليزية عند الحديث بالفرنسية يومياً. كما أن نطقنا سيئ جداً بدرجة تجعل بعض زملائنا الفرانكوفونيين لا يستطيعون إخفاء امتعاضهم. بيد أن هذا «الذبح» الذي تتعرض له الفرنسية -لسان «فلوبير»- هو أساس المواءمة الكبيرة التي أجرتها كندا، وخصوصاً مناطق كندا التي تتحدث الإنجليزية، مع عالم ربما تهيمن فيه لغتنا الإنجليزية، ولكن ليس لوحدها. وعلى رغم أننا ربما نكون بعيدين عن الكمال، فإن إخفاقاتنا فظيعة ولاسيما في تعاملنا مع السكان الكنديين الأصليين، ولكن عندما يتعلق الأمر بالعيش في عالم متعدد الثقافات واللغات، يبدو أن لدينا قدراً كبيراً من الصواب. وكما أخبرني هنري كيم، مدير متحف «آغا خان» الجديد المبهر في تورونتو، الذي يضم مجموعة من أفضل الفنون الإسلامية في العالم: «إن التعددية الثقافية ليست مجرد إحصائيات، وإنما تتعلق بالحضور وإدراك أن التنوع يعتبر مصدر قوة». وأضاف: «إن الكنديين يعتقدون أن الاختلاط يجعلهم أفضل وأقوى». ويشير «كيم»، وهو مواطن أميركي من أصل كوري ولد في شيكاغو، ولا يتحدث الكورية، إلى أن بلاده لا تزال قلقة من الثقافات الواردة، وتساءل قائلاً: «يوجد في كندا وزير للتعدد الثقافي، فهل يمكننا تخيل ذلك في واشنطن؟». وأحد أسباب رفض التناغم لصالح الإدماج هو الخوف من النتيجة المضادة؛ أي أن تفشل المجتمعات المهاجرة التي تتشبث بشكل كبير بلغاتها وثقافاتها الأصلية في الاندماج في المجتمع الأكبر. ولكن الأبحاث تشير إلى أن الأطفال المهاجرين الذين نشأوا في بيئة تُعلي قيمة لغة آبائهم يتعلمون الإنجليزية أسرع بكثير ويحققون نجاحاً أكاديمياً كبيراً. وجزء من ذلك نفسي، فالمجتمعات المتعددة ثقافياً تجعل أطفال المهاجرين يشعرون بأنهم مقبولون بفضل المؤهلات التي يكتسبونها. ويبدو أن لتعلم اللغات ميزة عصبية أيضاً، فنحن غريبون على تعلم اللغات، ولكن كلما تحدثنا لغات أكثر زادت الشبكات التي تطورها عقولنا. وأشك في أن القلق الكبير الذي يراود الناطقين باللغة الإنجليزية دون أن يفصحوا عنه هو أننا سنصبح غير مميزين في مجتمع يتحدث فيه جميع الآخرين أكثر من لغة. وقد بدأت أفهم ذلك؛ حيث أشعر بتلك الغصة كل أسبوع عندما أحضر دروس تعلم اللغة الفرنسية، ثم أستمع إلى زملائي الفرانكوفونيين يتحدثون الإنجليزية والفرنسية بطلاقة. ولكن الدول الثرية في العالم تنقسم إلى معسكرين: الأول يجذب المهاجرين ويرحب بهم، والآخر لا يفعل. والمجتمعات الصناعية مثل اليابان وأجزاء من أوروبا التي لا ترغب في قبول قادمين جدد والسماح لأنفسهم بالتحول من خلال هؤلاء المهاجرين، سيكون مصيرهم الاضمحلال الديموغرافي والاقتصادي. وحذر كل من أندريه رودريجو بوز، ودانيال هاردي، من كلية لندن للاقتصاد، مؤخراً من أن التحول القاسي ضد المهاجرين الذي حدث خلال العام الماضي في بريطانيا ستكون له تبعات سلبية، مستشهدين بعدد من الدراسات الحديثة التي أظهرت العلاقة بين الهجرة والتنوع وريادة الأعمال. وأوضحا أن «القانون البريطاني الأخير الذي يقيد الهجرة من المرجح أن يفضي إلى عرقلة خطيرة لقطاع الأعمال، ويؤثر في المقابل على إمكانية توفير فرص عمل ونمو الاقتصاد». غير أن التعددية الثقافية واللغوية ليست بالأمر الهين. وقبل أسبوعين، وبّخ عضو برلماني من إقليم «كوبيك» الحكومة الكندية بسبب استخدام «مصطلح خاطئ» في تغريدة على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي، واتهم الشخص الذي كتب التغريدة بأنه يستخدم ترجمة آلية من الإنجليزية إلى الفرنسية. ويشي إصراره على الدقة اللغوية إلى التحدي الحقيقي للمجتمع متعدد الثقافات ثنائي اللغة الذي تهيمن فيه لغة وثقافة على الأخرى: ألا وهو الحفاظ على ثقافات الأقليات من الاختفاء. وعلى الناطقين باللغة الإنجليزية على كوكبنا ألا يقلقوا من أن الأطفال سيتحدثون الفرنسية أو الإسبانية، ويجب ألا يخافوا من تعلم لغات أخرى. كريستا فريلاند: عضو البرلمان الكندي يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»