لحظة الإعدام أوضحت أن المعارضة السابقة والنظام السابق شربا من منهل واحد، وما حصل كان مجرد تبادل أدوار ومواقع، فضاع بينهما الحلم بعراق آخر كانت الثورات أو الانقلابات تحصل بيد الجيش، مع دعم خارجي معلن وغير معلن، إلا أن ما حصل في (9 أبريل 2003) كان مختلفاً. حصل عبر حرب واجتياح، واستبشر من استبشر وتشاءم من تشاءم، فالعواطف كانت متأججة ومتصادمة، ولا وجود لعقل سياسي ينظر إلى ما بعد الهدم، وتبين أن الغزاة كانوا يقصدونه بلا عمران، فليس هناك مشروع لا لدى الغزاة ولا العراقيين، من المعارضة الذين دخلوا تحت جناحهم، ظهر هذا واضحاً في لحظة إعدام صدام حسين، فجر (30 ديسمبر 2006)، الذي صادفت ذكراه الثَّامنة يوم أمس، ليدخل العام 2007 بأسوأ مِن سابقه. أفصح عن صغر الهدف من التقى صدام حال إلقاء القبض عليه (13 ديسمبر 2003)، وسأله: «لماذا قتلت الصَّدر»؟ كان السؤال نذير الاستعاضة عن العراق بالفرعيات، ولو كان السائل كبيراً لسأله: «ماذا فعلت بالعراق»؟ لسنا بصدد الحديث عما هل يستحق صدام الإعدام أم لا؟ وليس هناك مَن ينكر ما فعله خصوصاً بعد توليه المنصب الأول بلا منازع (16 يوليو 1979)، ولا بصدد ما فعلته المعارضة الدِّينية، خلال فترة جهادها، أذكر ذلك لأن هناك مَن يبرر الممارسات، ونحن بصدد التغيير الكبير الذي أعلنوا عنه، وأعلن عنه الأميركان أنفسهم: عراق أفضل! لكن اليأس دخلنا بعد تحول المشروع إلى مجرد انتقام واقتسام غنيمة. كان صدام، حسب أقواله، يهمه الحديث عن شخصه ما بعد خمسمائة عام، مثلما نقرأ الآن عن الخلفاء والسلاطين، وبالفعل ما سيبقى مِن وجوده هي لحظة إعدامه، أي آخر ما تعلق في الأذهان، وكيف واجه الإعدام برباطة جأش، بينما ظهر الذي سأله عن الصَّدر خائفاً، لقد نجح صدام في خطف اللحظة وذخرها إلى بعد خمسمائة عام. كان رئيس الوزراء وأمين «الدعوة» يبحث عن إنجاز، حسب القاضي منير حداد الذي حَسن الإعدام بما يُخالف القانون، لذا بالغ في حالة الاستعراض، لما ظهر أمام الشاشات وهو يمضي التنفيذ. حدثني وزير العدل هاشم الشِّبلي، بأنه أعطى رأيه الصريح، لا يتيح القانون إعدام الشخص في عيده الديني أو الوطني، وأن الإعدام يحتاج لمصادقة رئاسة الجمهورية، غير أنه بتزوير أحد اتباع «الدعوة» وكالة نفذ الأمر. ليس هناك أشهر مِن لحظة إعدام صدام، وما حصل بعدها يريك أن القوم لا يجيدون سوى الانتقام، فحتى قبل شهور كنت أشك أن ابن نوري المالكي تزوج في عشية الإعدام، أو أن الجنازة حملت إلى عتبة «قصر» المالكي، وتم الفرح هناك، لكنها الحقيقة، حتى أظهر المالكي الإعدام حفلة قتل، مع الإصرار على التنفيذ في أول يوم الأضحى، أما تبريرات الاستعجال بالإعدام، وبهذا المشهد المبتذل، فظهرت غير صحيحة. قرأت في مقابلة «الشرق الأوسط» مع جلال طالباني (10 أغسطس/ 2009)، وسمعت من سكرتيره الصحفي كمال قرداغي بأنه كان خارج العراق، ورفض التوقيع على قرار الإعدام، وعندما وصله خبر التنفيذ تمثل ببيت الجواهري: بئس الشَّماتة شيمةٌ ولو أنها.... إذ يُغتلى جرحٌ تعفن بلسم، والبيت من «قلبي لكردستان»(1964)، نعم، ما حصل كان تشفياً، والبلسم الذي كان العراقيون ينتظرونه، مِن التغيير، تعفن ولم يصلح علاجاً، كان مِن الممكن السماع للدول التي طلبت تأجيل توقيت الإعدام، لأنه يوم عيد الأضحى، بما يساعد على تطبيع الأوضاع، تلك الحادثة التي برزت قوية فجر ذلك اليوم، على أن المعدوم كان قرباناً، وإنه يُذكر بالمتكلم الجعد بن درهم، الذي ضُحي به أسفل منبر مسجد الكوفة في اليوم نفسه (105 هـ)، ولأن التشفي صار شيمةً تقدمت، بعد حين، مجموعة اعتمرت الطَّائفية، وتقدمت بأهازيج متوحشة ونبشت القبر، فزكت خصمها من أي ظلم اقترفه، فطبقت ما فعله العباسيون بالأمويين، كي تبقي قول أبي عطاء السندي (ت نحو 158 هـ) حيَّاً: «يا ليت جور بني مروان عاد لنَّا/ وإن عدل بني العباس في النَّار»(ابن قتيبة، الشِّعر والشِّعراء).إن السذج وحدهم يعتبرون ما حصل إنجازاً، لأنهم لا يرون أبعد من أرنبات أنوفهم، فلا يعنون ببناء، بعدها تتالت (إنجازات) المالكي وحزبه بإغفالهم لأهم ما يُحاكم عليه النِّظام السَّابق، لقد نُسي وراء لحظة الإعدام، التي أوضحت أن المعارضة السابقة والنِّظام السابق شربا مِن منهل واحد، وما حصل كان مجرد تبادل أدوار ومواقع، فضاع بينهما الحلم بعراق آخر.