حين كتب الباحث الأميركي فرانسيس فوكوياما كتابه الشهير «نهاية التاريخ وخاتم البشر» في بداية التسعينيات من القرن الماضي، واستقبلته مجموعات من الباحثين والعسكريين الاستراتيجيين بكثير من الترحيب، وإن كان نقدياً، فلقد جاء ذلك بعد أحداث عظمى جرت في العالم، ربما كان سقوط الاتحاد السوفييتي أهمها في عام 1989، فهذا الأخير أثار تساؤلات واسعة من الخصوم والمؤيدين، على السواء. وفي هذه الأجواء ربما التقت المقارنة والموازنة بين هذين الفريقين في أن ما كَمن وراء الحدث الكبير السوفييتي إنما تمثَّل في تفكك الشمولية دولة وجيشاً وحزباً. لكن ما اختلف فيه الفريقان تجسّد فيما قدمه فوكوياما وهنتينغتون وآخرون في الولايات المتحدة كما في أوروبا وغيرهما. كان الذي قدمه فوكوياما في كتابه المذكور قد تمثل في الفكرتين التاليتين الحاسمتين: ففي كتابه جاء ما يلي إنه بينما شابتْ أشكال الحكم السابقة عيوبٌ خطيرة وانتهاكات لنقل أدت إلى سقوطها (أي الديمقراطية الليبرالية)، فإن هذه الأخيرة قد يمكن القول إنها خالية من مثل تلك التناقضات الأساسية الداخلية وعلى هذا فإنه لن تكون البشرية عندئذ ألف زهرة تتفتح (تذكيراً بقول لماوتستنغ الشهير) في صور وأشكال متباينة، وإنما ستكون بمثابة قافلة طويلة من عربات متشابهة. ويستنبط فوكوياما من ذلك أن البشرية بلغت مرحلتها النهائية القصوى، التي تعتبر «نهاية البشرية السعيدة» والتي على الجميع أن ينخرطوا فيها، فهي مثل النهاية، التي تحتمل فريقين اثنين، الأول هو السعيد، والثاني هو الشقي، والفكرة المثيرة الطريفة في ذلك تقوم على أن النهاية التي بلغتها البشرية، كما مر معنا، ستكون «الخاتمة السعيدة» للبشرية: لقد سقط المعسكر الشرقي، وبقي المعسكر الغربي، الذي عليه أن يقوم مقام الغاية - النهاية مُنهياً بذلك الآلام والبؤس، والاغتراب، مما يُحتم على العالم المتبقي أن يتمتع بفضائل الحياة الجديدة، حياة الديمقراطية الليبرالية العولمية. لقد أخطأ فوكوياما خطأ مركزياً لافتاً، حين اعتقد أن طريق السعادة قد فُتح أمام الجميع، وما عليهم إلا أن يعْبروا، لقد «عبروا الطريق مشْياً»، ولكنهم لم يجدوا أنفسهم في رحاب الجنة والنعمة. وكانت سجالات وحروب جديدة، انتهت بما لم يتوقعه «قُرّاء المستقبل» بأنهم هم الذين سينقلون العالم إلى «دار السعادة»، بعد أن كان الكثيرون منهم المطلقون من عالميْ البؤس «العربي الإسلامي والمسيحي»، قد بُشّروا بالنهاية بطريقة فظيعة، ربما مساوية لفظاعة الموت بالطائرات والدبابات والبراميل المتفجرة والكلور السام وغيره، وخصوصاً في إطار العيش منبوذين مُذلين ومجوّعين ومحرومين من الأمن والكفاية المادية والكرامة. لقد جاء «داعش» ليعلنها صريحة واضحة، وإنْ بصورة «غير لبقة»، وفعل ذلك، ليس في اليمن السعيد والعراق التعيس وسوريا المحطمة، كما في باكستان وأمثالها، لقد توهم أن عالماً يقوده أرباب المال والسلطة لن يحسم الموقف في الغرب كما في الشرق، وسوف نرى، وهذه هي رسالتنا!