عندما هرب فكتور يانوكوفيتش من كييف في فبراير الماضي، ترك الرئيس الأوكراني وراءه قصراً منيفاً على الطراز السويسري ومعه ملعب فسيح للجولف، وعشرات السيارات الفارهة، بل وحديقة حيوانات خاصة.. وهو الأمر الذي صدم حتى الشعب الأوكراني المتعود على قصص الفساد المتعلقة بالسياسيين. بيد أن اللافت هنا أن الرئيس الأوكراني تمكن من الحفاظ على ملكية القصر بمنأى عن الأنظار، لأنه لم يكن المالك الشخصي، بل كانت الأملاك باسم شركة وهمية مسجلة في بريطانيا، وهي نفس التقنية التي يعتمدها بعض المستبدين حول العالم لإخفاء مليارات الدولارات وتحويلها لوجهات خارجية من بينها الولايات المتحدة، حيث تسجل العديد من الشركات الوهمية. والشاهد أن صعود مثل هؤلاء القادة الفاسدين وسقوطهم، يعلمنا بعض الدروس حول الفساد وطرق مكافحته، فأولا تظل قضيتا الفساد وحقوق الإنسان في العديد من البلدان مرتبطتين أشد الارتباط، فلكي تستفيد الطبقات السياسية من ريع الفساد وما يتيحه من اغتناء غير مشروع، هو ما يدفعها للتشبث بالسلطة، ليتحول الفساد إلى الرابط القوي الذي يجمع الأنظمة ويبقيها قائمة من خلال توزيع غنائمه على الأعوان والمقربين لإبقائهم مرتهنين بالنظام وقابلين للابتزاز في حال التمرد، أو الخروج عن السيطرة. لذا لابد لأي استراتيجية ناجحة في دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، من محاربة الفساد. أما الدرس الثاني لمكافحة الفساد واستئصال شأفته فيتمثل في ضرورة قطع التدفقات المالية التي تودع في البنوك والشركات الأميركية، فنحن نعمل بجد على إرجاع الأصول غير الشرعية إلى البلدان المعنية لتستفيد منها الشعوب، لكن هذا النوع من «الضرائب» الذي يُفرض عادة على المستبدين لدى سقوطهم باحتجاز أموالهم ليس كافياً، بل يتعين منع وصول أموال الفساد إلى الولايات المتحدة، ولعله من السبل الكفيلة بذلك منع عملية تسجيل الشركات الوهمية. وفي هذا الإطار اتخذت وزارة الخزانة الأميركية مؤخراً إجراءً مهماً للحد من التخفي وراء الشركات الوهمية بوضع قانون يفرض على المؤسسات المالية للتحقق من هوية الأشخاص الذين يقفون وراء تلك الشركات، بل إن قانون المالية لعام 2015 الذي اقترحه أوباما يضم قانوناً أشمل يتمثل في مطالبة الشركات بالكشف عن مالكيها كجزء من إجراءات التسجيل الضريبي وأيضاً لكشف تفاصيلها للسلطات الأمنية. ولن يكون لهذا الإجراء أي تداعيات على الشركات الأميركية التي تسجل نفسها مسبقاً وتدفع الضرائب، ليستهدف الإجراء بالدرجة الأولى المسؤولين الأجانب المتورطين في الفساد، والذين يخفون هوياتهم تحت النظام المالي الحالي. فبعد فتح شركات وهمية على التراب الأميركي بطرق شرعية يمكن استخدام سجلاتها لتحويل الأموال وفتح حسابات بنكية في الفراديس الضريبية. بل يمكن من خلال الشركات في أميركا إنشاء شبكة من الكيانات المجهولة في وقت وجيزة فقط من خلال الاتصال بمكتب تسجيل الشركات. وعلى سبيل المثال قام رئيس أفريقي متورط في عدد من قضايا الفساد بتأسيس بعض الشركات الوهمية في الولايات المتحدة لتبييض ملايين الدولارات من الرشى التي حصل عليها من شركات الخشب العالمية، مبعداً نفسه عن أي صلة مباشرة بتلك الشركات. فقد استغل هذه الأموال لشراء عقارات بأسعار فلكية في أميركا، بينما يعيش مواطنوه على أقل من دولارين في اليوم. وإذا كان الفساد يعطي المستبدين القدرة على الإثراء السريع، فإنه يتحول إلى نقطة ضعفهم القاتلة التي تعصف بأنظمتهم. فقد تجمع الحكومات الشمولية كل حجج العالم لتبرير عمليات القمع وإطلاق النار على المتظاهرين واعتقال المعارضين السياسيين، أو فرض الرقابة على الإنترنت بدعاوى مختلفة، لكن لا يوجد هناك تبرير واحد يسوغ السرقة والسطو على مقدرات الأوطان، كما أن النفور من الفساد يمحي الفوارق والانقسامات العرقية والاجتماعية التي يستغلها النظام للبقاء في السلطة. لذا تظل محاربة الفساد من خلال إقرار المزيد من الشفافية المالية، الطريقة الأمثل والأنجع لدعم الحريات حول العالم، وهو ما يحتم على أعضاء الكونجرس الذين يساندون قضية الحريات والديمقراطية أن يتبنوا مقترح أوباما بتعزيز قوانين الشفافية عبر كشف الشركات الوهمية وسد ثغراتها التي تسمح للمستبدين بإخفاء جرائمهم وتغليفها برداء من السرية بعيداً عن أعين الشعوب والعالم. ----- توم مالينوسيكي مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان ----- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»