في الأسبوع الماضي ألقى بابا الفاتيكان فرانسيس كلمة وجهها إلى القساوسة والكرادلة، وبّخهم فيها، وأشار إلى أن الأمراض تفتك بهم، وقال إن النميمة والتطلع للصدارة هي علل تلطخهم، وفي كلمته القاسية العلنية التي أذاعتها وسائل الإعلام قال: «إنكم تعانون من خمس عشرة آفة، وعليكم أن تعالجوا أنفسكم قبل أن تطمحوا إلى إصلاح العالم». ألف علماء الإسلام وفقهاؤه كتباً حول علل السالكين، وآفات الفقهاء، وأمراض طلاب العلم، وكانت هذه سنة ثابتة دائماً عند معظم علماء وفقهاء المذاهب، يتناولونها في المؤلفات التي تتناول آداب الطلب، وأخلاق العلماء، فحذروا من الحسد، ومن الرياء، ومن التشبع بالعلم، ومن النميمة، ومن الغيرة القاتلة التي تشوه صورة الفقيه. في القرون الأخيرة كانت قصة الحسد والغيرة بين السخاوي والسيوطي العالمين المصريين الكبيرين، من النوادر التي تتداولها كتب العلماء والتراجم، فقد أخذا سنوات طوالاً يتهاجيان ويؤلف كل واحد منهما في مثالب صاحبه، وأظنهما توفيا وهما على هذه الحال. ومن الطرائف أن السخاوي ألف في المسائل التي يتفوق فيها ذكاؤه على السيوطي، بينما السيوطي بدوره ألف «الكاوي لدماغ السخاوي». وهذه السجايا المعيبة ليست قصراً على علماء المسلمين ولا رجال الدين المسيحيين، ولا في الربيين من اليهود، بل هي أخلاق تظهر في أي نخبة دينية من كل دين ومذهب وملة. والسبب في ذلك أن العلم والفقه هو من طرق الجاه والغنى والسيادة والسلطة في كل مجتمع، ومكاسبه المعنوية والمادية كثيرة ووافرة، والموارد التي يتنافسون عليها شحيحة. ونحن إذا التفتنا الآن إلى لحظتنا هذه وألقينا نظرة عابرة على بعض الأسماء المعروفة لوجدنا فيهم الصفات نفسها، فالتشاحن والنميمة والوشاية والغدر هي أيضاً من الأدواء التي ابتلي بها المعاصرون من الملتحين المشتغلين بالدعوة والفقه، شأن لداتهم الماضين، فاثنان من أكبر الشيوخ الذين يتنافسون على الفضائيات الدينية لا يمر أسبوع إلا ويتلقى أحدهما من صاحبه رسالة تنغص عليه يومه، هذا وهما صديقان أحياناً، وأخوانِ غالباً، ورفيقان تارة أخرى، ولكن لأن كل واحد منهما ينافس صاحبه على جمهوره، فإن التغاير بينهما يفسد هذه الصداقة التي تعود لثلاثين عاماً تقريباً. وما ذكره البابا فرانسيس هو موقف نادراً مايقوم به عالم من علماء المسلمين اليوم، على الرغم من أن كثيراً من بلاويهم وانحرافاتهم قد أصبحت على كل لسان ومغرد. وقد شهدنا في عام 2014 اثنتين من أشهر الفضائح التي تلطخ بهما اثنان ممن يوصفون بالدعاة من عوام القصّاص الذين أصبحوا شيوخاً يتسيّدون المجالس ويتصدرون المجتمعات التي يعيشون بينها، ومع ذلك لا تجد في كبار العلماء الذين يفترض فيهم أن يكونوا هم القيمين على هذه الشريحة مَن يحتسب عليهم، بل على العكس يغطون قذارات بعض ويقسمون الأيمان المغلظة حانثين لدفع التهم عن أصحابهم! وبهذا هلكت الأمم قبلنا. ومن المؤكد أن المجتمعات التي تسوِّد كل ذي لحية قصير الثوب لكونه فصيح اللسان ذرباً هي من تستحق اللوم، العلم ليس هو التحصيل بل هو النزاهة والأدب والخلق الرفيع، وهذا ما نراه شبه مفقود لدى فئات من هذه الشريحة التي تفوقت في الشتائم والإقذاع على الصعاليك والمنحرفين. وقد كان نساك الفقهاء والصادقون المخلصون منهم الذين يكتشفون الدمار في هذا الوسط، هم غالباً من يكتبون حول السجايا والشيم المعيبة بين أوساطهم، وخصوصاً في المسائل الأخلاقية والانحراف من شرب الخمور والشذوذ الجنسي وارتياد أماكن البغاء، وقد ذكر ابن حجر العسقلاني قصصاً كثيرة حول هذه الوقائع في كتابه المدهش «الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة».