تحكي الأسطورة الروسية أن طفلاً ضاع في القرية؛ فبدأ يبحث عن أمه وهو يبكي، فحز ذلك في قلوب فريق من الناس؛ فاجتمعوا حوله يحاولون تهدئته. قال رجل: يا غلام لك عندي حلاوة طيبة تتسلى بها ريثما تعود والدتك. بكى الطفل وقال لا أريد شيئاً أريد أمي فقط. اقترب منه رجل ثانٍ فقال: أين بيتك فنعيدك إليه؟ بكى الطفل من جديد وقال: لا .. أرجوكم أعطوني أمي. أشفق القوم عليه فاقترب ثالث فقال: في أي مكان أضعت أمك ؟ بكى الطفل وقال: لا أعرف لقد فقدتها وأريد أمي. كانت عجائز من القرية قد أقبلن على الصياح؛ فقلن ما خطب الغلام؟ أجاب الرجال لقد أضاع الطفل أمه، ونحن في حيرة كيف نجد له أمه؟ تقدمت عجوز وقالت أيها الطفل الذكي هل تستطيع أن تصفها لنا؟ مسح الطفل دموعه من وجنتيه وقال: أمي أجمل امرأة في العالم؟! التفت أهل القرية لبعض وقالوا بصوت واحد: لاشك أنها "ناتاشا" الجميلة المعروفة، ثم إن امرأة ركضت تبحث عن (ناتاشا) حتى وجدتها فأنكرها الطفل وكرر نفس الكلام. ثم إن القوم التفتوا إلى الطفل من جديد وقالوا صف لنا أمك أكثر؟ صاح الغلام أمي أجمل امرأة في العالم؟ تلفت القوم من جديد وقالوا لاشك إنها (أولغا)؟ في تلك اللحظة مرت (أولغا) فأشاروا إليها بأيديهم؟ نظر الطفل إلى أولغا وصاح مستنكراً بشدة: لا .. لا إن أمي أجمل بكثير. أمي أجمل امرأة في العالم. هكذا بدأ القوم رجالاً ونساء يستعرضون أسماء ونساء شتى من القرية، ولكن جواب الطفل كان يتكرر على نفس الوتيرة وبحرقة: لا إنها ليست أمي إن أمي أجمل امرأة في العالم. وبينما هم في هذه المحنة إذ خرجت عليهم امرأة مسنة، تلبس أسمالاً بالية، منحنية الظهر، مشققة اليدين، ملأت التجاعيد وجهها؛ فهرع إليها الغلام وضمها وهو يبكي أمي أمي ثم التفت إلى القوم وقال: ألا ترون أمي إنها أجمل امرأة في العالم؟! تعجب الرجال والنساء وحكوا رؤوسهم وقالوا: فعلا إنها له أجمل امرأة في العالم. هل نفهم مع أعياد الميلاد أن نرجع إلى أمهاتنا وزوجاتنا فنكتشف الجمال في الوجوه ولو تجعدت، والظهور ولو تقوست. إنها حديث الروح ونبع الإنسانية من الضروري أن ننتشل الوجدان من تفاهة الروتينات إلى معدن الجمال وينبوع الحب الخالد.