على الرغم من تراجع ورقة النفط كوسيلة ضغط على نحو ما تم استخدامها ضد الدول الغربية التي دعمت إسرائيل في حرب أكتوبر عام 1973 إلا أننا نراها الآن في عام 2014 تعود أيضاً كسلاح سياسي واقتصادي. وعلى الرغم من مبالغة السيناتور الأميركي الجمهوري «جون ماكين» بشكره بعض دول «أوبك» على دفع اقتصاد روسيا?‏ نحو الهاوية، بسبب رفضها ?‏خفض إنتاج النفط لرفع الأسعار، إلا أن «ماكين» تغافل أيضاً عما تقوله «أوبك» نفسها، حيث تؤكد أن الأسباب الرئيسية لانخفاض سعر ‏?النفط?‏ تعود لعدة عوامل لا يفسرها البعد الاقتصادي وحده دون البعد السياسي. ولعل من العوامل التي ساهمت في تراجع أسعار النفط: أولًا، تباطؤ الاقتصاد العالمي وخاصة في أوروبا والصين واليابان. ثانياً، زيادة الإنتاج الأميركي من النفط والغاز الصخري الذي أحدث ثورة في القطاع النفطي وغيّر الكثير من المفاهيم، وجعل الولايات المتحدة الأميركية هي الدولة الأولى المنتجة للنفط والغاز في العالم، ما قلص من احتياجاتها لاستيراد النفط، وسمح بوجود فائض نفطي في السوق العالمي. ثالثاً، تراجع أسعار النفط عالمياً، لتوفر فائض نفطي في السوق العالمي، بسبب تراجع الطلب الأميركي، كما سبقت الإشارة. رابعاً، زيادة الفائض النفطي المطروح في السوق العالمي من الدول خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط «أوبك».?‏ خامساً، اندلاع سباق خفض أسعار بين الدول المصدرة للنفط داخل «أوبك» وخارجها لجذب زبائن، وخاصة الصين التي تتحول بشكل سريع إلى الدولة الأولى المستوردة للنفط، وتبحث عن أسعار تفضيلية لوارداتها النفطية. سادساً، قرار «أوبك» في اجتماعها الشهر الماضي بقيادة السعودية?‏ والدول الخليجية الأعضاء بعدم خفض الإنتاج النفطي على الرغم من تراجع الأسعار، لاقتناع الدول التي تؤيد الإبقاء على الإنتاج النفطي الحالي بأن السوق سيصحح نفسه. وأن السعر العادل لبرميل النفط هو في حدود 70 دولاراً بعد أن كان قبل أشهر في حدود 100 دولار. وهكذا يتضح أن قرار ‏«أوبك?‏» برفض خفض الإنتاج لرفع الأسعار ‏?هو سبب واحد، وليس السبب الوحيد كما تذهب بعض الدول من داخل ومن خارج «أوبك»، محملين ‏?أطرافاً بعينها مسؤولية انهيار سعر برميل النفط لرفضها خفض الإنتاج! ومن الواضح أن هناك انعكاسات كارثية لانخفاض أسعار النفط إلى النصف خلال الخمسة أشهر الماضية منذ صيف عام 2014، وخاصة أننا في فصل الشتاء في النصف الشمالي من الكرة الأرضية وهو عادة موسم ارتفاع الطلب على النفط، للتدفئة بسبب برودة الجو. وبالطبع لنظرية المؤامرة من يستدعونها، وثمة من يروّج بأن هناك اتفاقاً ضمنياً لمعاقبة وإنهاك واستنزاف الدول المشاكسة وعلى رأسها روسيا بسبب مغامراتها و«بلطجيتها» ضد أوكرانيا وضمها لشبه جزيرة القرم ودعمها للانفصاليين في شرق تلك الدولة. وكانت لافتة اتهامات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمره الصحفي الأخير لأميركا وأوروبا والغرب «بالتآمر والسعي لغرس أنيابهم ومخالبهم في جسد الدب الروسي»! وقد أعلنت وكالة «ستاندرد أند بورز» للتصنيف الائتماني بشأن النظرة المستقبلية لروسيا أنها قد تخفض تصنيفها الائتماني مطلع عام 2015 إلى درجة «المضاربة السلبية للائتمان» وهو مؤشر على ارتفاع المخاطر الائتمانية. ويأتي ذلك بعد نزيف وتراجع العملة الروسية «الروبل» إلى مستويات قياسية أمام الدولار و«اليورو» بواقع 54,65 روبل للدولار و66,85 روبل لليورو. كما ترى إيران أيضاً أنها مُستهدفة، بـ«مؤامرة» انهيار أسعار النفط «لاستنزافها ولإجبارها على اتخاذ مواقف أكثر ليونة وتعاوناً في مفاوضات برنامجها النووي مع الدول الكبرى، وخاصة بعد تمديد مهلة المفاوضات حتى يوليو 2015، وهذا ما أشار إليه الرئيس الإيراني الذي قدم ميزانية أكثر تقشفاً وأقل اعتماداً على العوائد النفطية مؤكداً تغلب إيران على الوضع الصعب، منتقداً دولًا تساهم في تراجع أسعار النفط، واصفاً ذلك بأنه «مؤامرة» ضد مصالح المنطقة! وهذا الانتقاد الإيراني مفهوم، إذا علمنا أن طهران تعد من أكبر المتضررين من تراجع أسعار النفط. وكذلك بالنسبة لفنزويلا، الخاسر الكبير الآخر من تراجع أسعار النفط، ولذلك نتفهم حالة التذمر والقلق لكلتا الدولتين، ومعهما روسيا. ويتوقع أن تصل الخسارة للدول المصدرة تريليون دولار بسبب انخفاض أسعار النفط وهو المبلغ نفسه الذي ستوفره للدول المستوردة.. وأكثر المتضررين من تراجع الأسعار هي «أوبك» التي تبدو فاقدة لزمام المبادرة وخاصة في ظل انتقادات توجه للمنظمة من بعض الأعضاء المتذمرين والغاضبين من رفضها خفض الإنتاج لرفع الأسعار، وخاصة من طرف إيران وفنزويلا. ولكن رب ضارة نافعة، بسبب تراجع أسعار النفط عاد الحديث أكثر جدية حول تنويع مصادر الدخل في الدول المصدّرة وخاصة الخليجية كالكويت، وتقليص النظام الريعي، وحتى التفكير في زيادة الرسوم وتخفيض الدعم الحكومي ولهذا مقال آخر.