لم يكن الشهر الأخير من عام 2014 سعيداً على تنظيم الإخوان المتأسلمين، فقد اشتدت عليهم الضغوط من كل ناحية؛ الإمارات تعلنهم بمختلف أذنابهم في قائمة الإرهاب، وقناة الفتن بعد افتضاح أمرها وتوجهاتها ويأسها من إمكانية الاستمرار في خداع الشعوب، تقرر إغلاق «الجزيرة مباشر مصر»، والمحاكمات في مصر تزيد من إصرار الشعب على طردهم من الحياة السياسية، ومواجهة كبيرة مع جسم آخر أكثر إرهابية في اليمن ومع الشعب هناك، وهزائم عسكرية وسياسية متواصلة في ليبيا.. وأخيراً، على خطى الشعب المصري الذي لفظهم بعدما تمكنوا من استغلال فوضى الجحيم العربي وانشغال الناس بالتغيير الموهوم، فقفزوا إلى كراسي السلطة، مضت مواكب إرادة الشعب التونسي الذي عاش ذات المعاناة التي أوقعته في حبائل حزب «النهضة» الإخواني الذي مثّل تجربة لا تختلف كثيراً عن التجربة المصرية. فالفكر الذي حرّك «النهضة»، هو ذات الفكر الإخواني المتأسلم في مصر، ومواجهة الشعب ومحاولة أخونة المجتمع هو ذات الفعل الذي قامت به «النهضة»، ورغم أن حزب «النهضة» قد انسحب شكلياً من الانتخابات الرئاسية بناءً على نصيحة من التنظيم الدولي حتى لا يفقد المتأسلمون آخر معاقلهم الآمنة بعدما ضاقت بهم الأرض بما رحبت، فإنه وقف بقوة خلف مرشح عمد إلى تحدّي منافسيه والإساءة لهم في أكثر من موقف، ما جعل الشعب التونسي يؤكد بأن المرزوقي لن يحكمه طالما جاء محمولا على أكتاف «النهضة» المهترئة التي ناصرته قبل الانتخابات ومنحته كرسياً رئاسياً غالياً في تحالفها الأخير الذي كشف عن إخوانية غير الإخوان، وتجلّى ذلك في التناقض الكبير الذي شاب مسيرة الرجل في مختلف المراحل. وبسقوط المرزوقي في تونس فقد حزب «النهضة» الإخواني آخر أمل في رئاسة البلاد بعدما بدأت نهايته فعلياً قبل فترة حيث استقال أمينه العام السابق حمادي الجبالي، وهددت قيادات أخرى، كالصادق شورو والحبيب اللوز بالانسحاب، وألمح القيادي الثاني في الحركة عبدالفتاح مورو لحدوث شرخ بالحزب واحتمال انفصال جزء من قواعده الساخطة على أفعاله ووقوفه وراء المرزوقي. إزاء هذه الضربات الموجعة التي تلقاها الإخوان المتأسلمون في كل مكان، وبعد أن أصبح ملهم التنظيم، شيخ الفتن، مطلوباً للإنتربول، وضاقت الأرض بمنتسبيه، بدأ في استهداف الدول التي حافظت على ثبات انطلاقتها وتطورها بعدما بترت عنها سرطان الفكر الإخواني، وحاربت الإرهاب.. مستغلا بعض المنظمات الحقوقية المأجورة التي تشابهه في الفعل وطريقة التفكير والكثير من الصفات الخادعة، ولما لم تفلح جهوده تلك، عمد إلى العالم الافتراضي واستغلال مختلف الوسائط بل والوسائل الإعلامية لتشويه صورة تلك الدول ظناً منه أنه سيتمكن بذلك من زعزعة أمنها واستقرارها كما فعل في دول الجحيم العربي، ما يمكنه من بثّ الروح في جسمه من جديد والنهوض مرة أخرى لتكرير تجربته التي أحالت المنطقة إلى ما هي عليه الآن. غير أن وعي الشعوب الإسلامية التي جرّبت حكمه في أكثر من دولة، وقف حائلا بينه وبين تنفيذ أجندته الخبيثة، ولم يبق له غير استخدام آخر ما تبقّى له من أوراق، والمتمثّل في بعض منتسبيه الذين تمكّن من زرعهم في بعض المواقع، هادفاً بذلك لإحداث حالة شقاق بين الدول العربية والإسلامية التي توافقت وتحالفت لمحاربة عالم الإرهاب والتطرف، ومن أؤلئك النائب الكويتي السابق مبارك الدويلة الذي باغت دولته وشعبه باقتناص فرصة لقائه مع قناة رسمية للإساءة لدولة الإمارات وشعبها ورموزها، وارتدت على التنظيم فعلته هذه المرة أيضاً بعدما أتت بنتائج عكسية، فقد غضب الشارع الإماراتي بدلا عن أن يثور كما أراد الدويلة، وأكّدت الإمارات مواصلة مواجهة الإرهاب بلا هوادة بدلا عن أن تفتر عزيمتها أو تُفل كما توقع تنظيم «الدويلة»، ولم يبق للتنظيم من أسلحة أخرى ينجو بها من قدر محتوم بدأ يحسّ فيه بدنو النهاية.