يستعرض كتاب الصحفية صوفية عمارة الصادر مؤخراً تحت عنوان: «مسرب من الجحيم السوري.. من ربيع دمشق إلى داعش»، مسار التحولات الدموية التي عرفتها الأزمة السورية خلال السنوات الثلاث الماضية، منذ بداياتها مع التظاهرات السلمية التي قمعها نظام الأسد بمنطق القوة والقسوة، مروراً بجنوح الصراع إلى العنف والمواجهة المسلحة، وصولاً إلى ركوب الجماعات المتطرفة والمنظمات الإرهابية موجة الأحداث وتغولها وسعيها لتجيير ما يجري لتمرير أهدافها المنحرفة، وترويع السوريين، والشعوب المجاورة، بسلوكها الدموي الذي بلغ الذروة مع ظهور تنظيم «داعش» الإرهابي وسيطرته على أراض واسعة في كل من سوريا والعراق معاً. ويزيد من قيمة هذا الكتاب كثرة ما فيه من تفاصيل دقيقة، وكون مؤلفته، وهي فرنسية- مغربية تعتبر من أوائل الصحفيين الذين تمكنوا من دخول الأراضي السورية منذ أيام انتفاضة درعا السلمية الأولى، كما أن إتقانها للغة العربية يجعل مستوى فهمها وتمثلها للواقع السوري أعمق بكثير من غيرها من الصحفيين الأجانب الذين يتعاملون معه من خلال المترجمين ويعاني من عجز إدراكي عن فهم كثير من تعقيداته وخلفياته، هذا فضلاً عن نجاحها في مواكبة كل الأحداث عن قرب، ونسجها أثناء ذلك كله لشبكة من العلاقات المهنية مع عدد لا حصر له من المصادر في صفوف المعارضين والمواطنين السوريين العاديين. وتكشف الكاتبة بين دفتي عملها الواقع في 260 صفحة المآل المفجع الذي انتهت إليه الأزمة السورية مبرزة سعي نظام الأسد منذ البداية لإقناع الغرب والعالم بأن كافة معارضيه هم في الواقع جماعات متطرفة مسلحة، هذا في وقت مبكر لم يكن فيه لتلك الجماعات دور يذكر في مجريات الصراع. بل تذهب الكاتبة إلى أن تنظيم «داعش» وجماعة «النصرة» الإرهابيين ظهرا ابتداءً في سوريا بدعم من النظام لتسويق دعاواه المتعلقة بأصولية كافة الجماعات المعارضة له. وتنقل الكاتبة بالتفصيل عن نشطاء ومعارضين سوريين بعض صور الجحيم السوري الذي وجد المدنيون العزل فيه أنفسهم بين نارين: نار قوات النظام التي تهدم فوق رؤوسهم المدن والقرى الآمنة بالبراميل المتفجرة وبكافة صور التنكيل، ويشارك مع النظام في هذه المجازر بعض حلفائه الإقليميين مثل «حزب الله» اللبناني وبعض الجماعات المتطرفة العراقية.. وأيضاً نار الجماعات الإرهابية التي دخلت على الخط تالياً وعاثت في البلاد والعباد تدميراً وتقتيلاً وصولاً إلى ذروة المحنة، مع احتلال عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي لبعض المدن. وزاد محنة السوريين، واستعار ما تسميه الكاتبة الجحيم السوري أكثر فأكثر مع تكشف عجز المجتمع الدولي، وتردد وارتباك القوى الكبرى وانخراطها في استقطابات عقيمة على خلفية أزمات أخرى سحبت ولو مؤقتاً البساط من تحت أولوية إطفاء الحريق السوري. وفي المجمل تستعرض مؤلفة الكتاب صوراً للمعاناة والخراب في المدن السورية، وتنقل عن شهود عيان وضحايا كثيرين روايات لمحن مروا بها، ويكفي أن كثيراً ممن نقلت عنهم قتلوا لاحقاً قبل أن يرى العمل النور، كما قتل أيضاً كثير من الصحفيين الأجانب والسوريين الذين واكبوا معها تغطية الأزمة في أطوارها الأولى. ولكل هذا جاء الكتاب سفراً ملحمياً مأساوياً مؤرخاً للتراجيديا السورية المستمرة حتى الآن دون أن يظهر في نهاية النفق أي بصيص أمل أو نهاية قريبة للمأساة. حسن ولد المختار ------ الكتاب: مسرّب من الجحيم السوري.. من ربيع دمشق إلى «داعش» المؤلفة: صوفية عمارة الناشر: ستوك تاريخ النشر: 2014