هنالك اعتقاد شائع في أميركا مؤداه أنه من شبه المستحيل أن يطيح أحد بفرص هيلاري كلينتون في ترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة. ولكن إذا رُشحت كلينتون فقد تواجه تهديداً خطيراً ومختلفاً جداً هو سجلها في مجال السياسة الخارجية. فبينما تستطيع أن تحسم الأمر ضد أي خصم في الانتخابات الأولية، فيما يتعلق بمواقفها من السياسة الاقتصادية، إلا أن الخلافات في الشؤون الخارجية قد تكون تغطية سجل كلينتون فيها أصعب بكثير. وهذا لأنها تميل إلى مواقف اليمين، فيما يتعلق بملفات إيران وسوريا وروسيا، بسبب توقعها لهجمات الجمهوريين في الانتخابات العامة. ومن أجل هذا يجب على فريق كلينتون ألا يقلق في الواقع من إليزابيث وارين النائبة عن ولاية ماساشوستس. بل يجب أن يقلقهم السيناتور «جيم ويب»، عن ولاية فرجينيا، وبطل حرب فيتنام ووزير البحرية في عهد إدارة ريجان، وهو معارض للحروب التي لا تنتهي في الشرق الأوسط. وقد شكل «ويب» في نهاية الشهر الماضي لجنة استكشافية لتقييم إمكانية خوضه الانتخابات الأولية. وترى «ليزلي جيلب» الرئيسة الفخرية لمجلس العلاقات الخارجية أن «ويب»: «ليس ليبرالياً، ولكن كثيراً مما يقوله يجتذب الليبراليين». وهجمات «ويب» على صفوة التجارة والاقتصاد، بالإضافة إلى دعوته لأن تعود أميركا إلى انكفاء أميركا على نفسها مرة أخرى، قد تثبت أنها مركب دعاية فعال في الانتخابات الأولية لجذب التقدميين المناهضين للحرب، وأيضاً الرجال البيض الجنوبيين من أصحاب العقلية المحافظة الذين يعتقد أن الحزب يستطيع استعادتهم. وعقيدته بسيطة ومقنعة في الوقت نفسه. فبدلاً من تبديد أميركا لقوّتها ومواردها في الخارج يجب أن تعيد البناء في الداخل. ومعدلات التأييد على المستوى القومي التي يتمتع بها «ويب» لا تكاد تذكر، وقد يبدو مرشحاً غير محتمل، ولكن هذا أيضاً ما كان يفكر فيه معظم المراقبين، عندما ارتدى «ويب» الحذاء العسكري لابنه في العراق في الحملة الانتخابية وأطاح بجورج آلين من مقعد سيناتور الولاية في عام 2006. ويمثل «ويب» حالياً لـ«الديمقراطيين» ما حاول «الجمهوريون» التخلص منه في صفوفهم أثناء انتخابات التجديد النصفي: إنه تمرد على غرار «حزب الشاي» ضد مرشح الحزب. و«ويب» الذي يتباهى بأصله الإيرلندي الاسكتلندي ينظر إليه عادة كواحد من المغردين خارج السرب. وقد ظهرت شخصيته بوضوح بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 عندما بدأ يستنكر ما اعتبره تحول الرئاسة الأميركية إلى نوع من الملكية على الطراز الأوروبي بحيث يمكنها أن تتبع أهواءها بشن حروب في أي مكان وحيثما تريد. وعلى خلاف كلينتون التي ما زال يتعين عليها تبرير تصويتها بالموافقة على حرب العراق، هاجم «ويب» إدارة بوش علناً في عام 2002، وطرح سؤاله الاستشرافي: «هل تريد فعلاً أن تحتل العراق لثلاثين عاماً مقبلة؟». وباعتباره عضواً في لجنتي الخدمات المسلحة والعلاقات الخارجية انتقد «ويب» بشدة أيضاً إدارة أوباما على تدخلها في ليبيا في عام 2011. وكان محقاً في كل هذا. لقد كان إجراءً أتى بنتائج عكسية وخلق المزيد من عدم الاستقرار وزاد المتشددين الإسلاميين خطورة في المنطقة. وأثناء التدخل في ليبيا وقبله، أوضح «ويب» أنه يعتقد أن الديمقراطية الأميركية تتعرض للخطر بسبب عجز الكونجرس عن التشكيك في تقدير القادة العسكريين، والرئيس. ويعتقد أن المشكلة نتاج للبيروقراطية الأمنية الوطنية الراسخة التي تراوغ في الأساس الكونجرس بل والرؤساء أصحاب الفكر التجديدي. وعلى نقيض هيلاري كلينتون، فمعتقدات «ويب» لم تأتِ عرضاً وليست لأغراض انتهازية. وفي مذكراته التي صدرت مؤخراً بعنوان «سمعت بلادي تنادي» أوضح «ويب» أن معارضته للمغامرات في الخارج راسخة في وجدانه وهي نتيجة تفكير عميق أيضاً. ودراية «ويب» بمجتمعات أجنبية عديدة أعطاه، مثل الرئيس أوباما، القدرة إلى حد كبير على أن يرى أميركا من الداخل والخارج. ومن غير المحسوم بعد ما إذا كان «ويب» سيحاول إطلاق حملة انتخابية كبيرة. ولكنه متحدث بليغ وصريح وخبرته في السياسة الخارجية قد تجعل من الصعب على كلينتون أن تصفه بأنه انعزالي أو قليل الخبرة ليترك أميركا هدفاً سهلاً أمام الهجمات كما حاولت وصف أوباما في الانتخابات الأولية في عام 2008. بل على العكس، فسجل كلينتون في سياسة التدخل الخارجي هو ما يجعلها هي هدفاً سهلاً لهجمات المنافسين. ------- جاكوب هيلبرين رئيس تحرير صحيفة «ناشيونال إنتريست» الأميركية ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»