في وقت أصبح فيه مجلس النواب الأميركي موضع تساؤل عالمي حول طبيعة الممارسات الاستخباراتية التي باركها ذات يوم، وقد سبق لموقع «ويكيليكس» أن فجّر الكثير من القنابل الإعلامية عندما نشر تفاصيل سرية حول العمليات الأميركية الخارجية بما فيها استخدام التعذيب كوسيلة استخباراتية في جوانتانامو، وها هو الموقع نفسه يعود ليكشف أيضاً عن خبايا وخفايا جديدة. وقد كشف الموقع يوم الأحد الماضي النقاب عن وثيقتين جديدتين من ملفات وكالة المخابرات المركزية الأميركية «سي آي إيه». وجاءت نسختا الوثيقتين ممهورتين بكلمة NOFORN المشتقة من اختصار عبارة إنجليزية تعني (غير مسموح بوقوعها تحت أعين الغرباء). وقد حملت إحدى الوثيقتين عنوان «العيش في الصف الثاني»، وهي مخصصة لتوجيه تعليمات ودروس لعملاء الوكالة تجعلهم قادرين على استخدام الحيل والألاعيب اللازمة حتى لا يثيروا انتباه الناس إلى حقيقتهم بقدر الإمكان خلال دخولهم عبر البوابات الأمنية للمطارات في أرجاء العالم. وكانت الوثيقة الثانية تحت عنوان «لمحة حول نظام تشينجن»، وهي تشرح طريقة عمل أنظمة المراقبة في النقاط الحدودية الأوروبية منذ مطلع عام 2012. ولعل من الواضح تماماً أن الوثيقتين فقدتا كل دواعي الإبقاء على سريتهما بعد الفضائح التي توالت مؤخراً. وقد حاول صاحب الموقع الشهير «جوليان أسانج» تقديم ملخص سريع لمحتويات الوثيقتين حين كتب على موقعه المقدمة التالية: «لقد تبنّت وكالة المخابرات المركزية الأميركية عمليات خطف المشبوهين من دول الاتحاد الأوروبي بما فيها إيطاليا والسويد في عهد إدارة بوش الإبن. وهاتان الوثيقتان تظهران كيف أن الوكالة لازالت تستبيح الحرمات الحدودية لدول الاتحاد الأوروبي في عهد إدارة أوباما وتقوم بعمليات سرية في تلك الدول». وكان من الطبيعي أن تعجّ معظم المواقع الإخبارية في ألمانيا وفرنسا بأخبار هذا التسريب الجديد، إلا أن قلّة من المطلعين عليه فحسب يمكن أن يكونوا قد فوجئوا بالمعلومات التي تقول إن عملاء «سي آي إيه» كانوا بين الفينة والأخرى ينفذون عبر المطارات الأجنبية بما فيها الأوروبية بجوازات سفر مزوّرة. ولا يمكن للمرء أن يتوقع من هؤلاء العملاء أبداً أن يضعوا الشارات الدائرية التي تحمل اسم الوكالة التي ينتمون إليها ويعملون من أجلها في أثناء تقديمهم لجوازات سفرهم للأعوان الأمنيين في المطارات. وكان المصدر الأساسي لتلك النصائح والدروس الموجهة لعملاء «سي آي إيه» هو كتيّب تعليمات أعدته الدائرة الاستشارية التابعة لمصالح الأمن الإسرائيلية عام 2004. وكان يتم توجيه التعليمات للجواسيس بتجنب إظهار علامات ومؤشرات العصبية الزائدة أو الغضب، وألا يحاولوا إجراء الاتصالات أثناء وجودهم في ردهات ومكاتب المصالح الأمنية للمطارات. ويكشف التسريب أيضاً عن تعليمات تفيد بأن من الضروري أن يجيد العميل لغة بلد جواز السفر المزور الذي يحمله، وأن يشتري تذاكر السفر نقداً وليس ببطاقة الائتمان، وأن يتجنب السفر بدون حقائب لأن من شأن ذلك أن يثير شكوك رجال الأمن. وتنصح الوثائق العملاء أن يكونوا جاهزين للرد على الأسئلة الموجهة إليهم بلغة متساوقة ومنسجمة وخالية من التردد والتلعثم. وورد في التقرير المسرب أن عميلاً لوكالة المخابرات المركزية تم ضبطه في أحد المطارات الأوروبية ويمكن اعتباره مثلاً واضحاً عن الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها العملاء. وتقول قصته إن أحد رجال الأمن الأوروبيين اكتشف بقايا مواد متفجرة في حقيبته وسأله عن سبب ذلك. وبدلاً من أن يصاب العميل بالدهشة، سارع إلى تفسير الأمر بأنه كان يؤدي تدريباً مضاداً للإرهاب في العاصمة واشنطن فتسربت إلى حقيبته بعض مخلفات لوازم التدريب. ولم يقتنع الضابط بهذا التفسير وأمر بترحيله وإعادته من حيث أتى بطريقة تخلو من الكياسة. ويمكن القول بشكل عام إن النظام الأوروبي لمراقبة الدخول عبر المطارات مصمم أصلاً لمكافحة الهجرة غير الشرعية وليس الجريمة أو عمليات التجسس. وهو لهذا السبب، نظام ملائم للعملاء والجواسيس الذين يسافرون بوثائق شخصية مزورة، كما أنه نظام سهل الاختراق بالنسبة للإرهابيين. ولو حوّل الأوروبيون اهتمامهم نحو مكافحة التهديدات الأمنية الأكثر خطورة من السرقة أو مخالفة قوانين الهجرة والإقامة، فلاشك أن وكالة المخابرات المركزية الأميركية ستضطر لإصدار المزيد من الكتيّبات التي تتحدث عن أساليب معقدة جديدة لاختراق الثغرات الأمنية في المطارات الأوروبية. --------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»