قادني أحد عناصر القوات الخاصة الباكستانية إلى قاعة العرض داخل المدرسة التي تسلل إليها الإرهابيون وأمطروا طلبتها عشوائياً بوابل من الرصاص. ومع أن آثار الدماء التي ملأت المكان كانت قد اختفت لدى زيارتي، فإن الحفر التي أحدثها الرصاص كانت واضحة على الجدران، فيما كانت نظرات الضابط الزائغة، بعد أن رأى بعينيه أشلاء الأطفال، تفضح هول الكارثة، حيث قتل سبعة مسلحين 148 شخصاً، 132 منهم أطفال، وعلى امتداد مقر المدرسة الفسيح كانت وجوه الأطفال القتلى تطل مبتسمة من الصور التي علّقها زملاؤهم من الأحياء على الجدران ومعها أكاليل الورود تخليداً لذكراهم الأليمة. هذه الصدمة التي أحدثتها المجزرة الرهيبة وغير المسبوقة في باكستان، دفعت السلطات إلى المسارعة لإنهاء حظر غير رسمي على عقوبة الإعدام دام ست سنوات. لكن الخطوة أثارت انتقادات دولية، حيث اعتبرت منظمة العفو الدولية القرار الباكستاني بإعادة العمل بعقوبة الإعدام «رداً انفعالياً لا ينفذ إلى عمق المشكلة»، فيما قالت «هيومن رايتس ووتش» إن «الحكومة الباكستانية اختارت الانخراط في مسار الانتقام بسفك المزيد من الدماء». لكن ما لا تعلمه تلك المنظمات الحقوقية أن باكستان التي عانت من ويلات الإرهاب وتجرعته بصبر وأناة، أصيبت هذه المرة في موضع لا يمكن التسامح معه، فقد وصل الإرهاب ذروته عندما امتدت يده الآثمة إلى الأطفال وما عادت القواعد العادية في العالم تنطبق عليه، هذا ناهيك عن أنه منذ وقف تطبيق عقوبة الإعدام زادت وتيرة العمليات الإرهابية ضد المدنيين، ففي 2012 أطلق مسلحو «طالبان» النار على ملالا يوسف زاي عندما كانت متوجهة إلى المدرسة، فيما استهدف تفجير إرهابي إحدى الكنائس في بشاور مخلفاً مقتل 127 مسيحياً. ورغم محاولات الحوار المتعددة التي أطلقتها الحكومة الباكستانية، فإنها لم تفضِ إلا نتائج ملموسة، فهؤلاء المسلحون الذي يقتلون الأطفال ويستهدفون المدنيين لا ينفع معهم الحوار ما دامت اللغة الوحيدة التي يجيدونها هي العنف والبطش. والحقيقة أن باكستان دخلت في حرب ضروس مع «طالبان» التي لم تخفِ أبداً أجندتها الرامية لزعزعة استقرار البلاد وخلق كيانها الخاص. وقد جاءت حادثة المدرسة الأخيرة لتجسد لحظة مفصلية تشبه في تداعياتها هجوم 11 سبتمبر بالنسبة لأميركا، فهذه المرة لم يعد هناك مجال للتردد أو الخلاف بين الباكستانيين الذين أدركوا الحاجة الملحة لمحاربة الإرهاب بكل قوة. مينا سهيل صحفية باكستانية ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»