ينص دستور دولة الإمارات العربية المتحدة في مواده على أن «الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، ويكفل القانون كيانها ويصونها ويحميها من الانحراف»، وينص أيضاً على أن «يشمل المجتمع برعايته الطفولة والأمومة، ويحمي القُصَّر وغيرهم من الأشخاص العاجزين عن رعاية أنفسهم...». وتنفيذاً لهذه النصوص قامت الدولة، عبر العديد من مؤسساتها المعنية بهذه القضايا، بسلسلة من المبادرات لحماية الأسرة من التفكك، ونشر ثقافة التلاحم والترابط الأسري، وبث الاحترام والمساواة بين أفراد الأسرة الواحدة، وصادقت على العديد من الاتفاقيات الدولية في الإطار نفسه، وعلى رأسها اتفاقيات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، كتصديقها على «اتفاقية حقوق الطفل» في عام 1997، وتصديقها على «اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة» في عام 2004. والجهود التي تبذلها لجنة حقوق الإنسان في المجلس الوطني الاتحادي حالياً لتطوير آلية جديدة لمواجهة العنف الأسري في دولة الإمارات العربية المتحدة، بالتعاون مع عدد من مؤسسات الدولة من وزارات ومؤسسات حكومية، وجمعيات مدنية مثل جمعية الإمارات لحقوق الإنسان، ومراكز التنمية الأسرية، وخبراء اجتماعيين، لحماية المجتمع من ظواهر تهدد أمنه وسلامته، تصب في إطار السياسة التي تتبناها الدولة نحو تحقيق أمن المجتمع المحلي، وإيلاء قضية الاستقرار الأسري والحفاظ على كينونة الأسرة الواحدة الأولوية القصوى، إيماناً بأن الأسرة السليمة تقود بالضرورة إلى مجتمع سليم مستقر ومتماسك. وبالرغم من أن الإمارات تعتبر من أقل دول العالم في العنف الأسري، ولكنها تسعى بشكل دؤوب إلى تطوير التشريعات وتبني المبادرات في هذا الإطار، حيث تتعدد التشريعات المتعلقة بمحاربة هذه الظاهرة، وقانون العقوبات الإماراتي يجرم ممارسة العنف بكل أشكاله بما في ذلك العنف الأسري، كما أنه يسعى إلى مواكبة تطورات ومستجدات العصر، ويأتي قانون حماية الطفل في هذا السياق، وكذلك مشروع قانون حقوق المسنين، وذلك من أجل حفظ أمن وسلامة المجتمع الإماراتي ومراعاة طبيعته وواقعه الاجتماعي، بما يعزز تماسك الأسرة الإماراتية ويحميها من التفكك، مع ضمان تحقيق ردع مرتكبي جرائم العنف الأسري. ولا تقتصر إجراءات الدولة في هذا الإطار على العنف الأسري في معناه الظاهر، بل إنها تشمل أيضاً ممارسة هذا العنف من غير سوء نية، والذي يدخل في إطاره إهمال الوالدين لرعاية الطفل وترك الأطفال من دون رعاية من الراشدين، والتي قد تفضي إلى حوادث تسبب إيذاء الطفل، كما يدخل في هذا الإطار أيضاً قيام الأسر بتأديب الطفل بأساليب قاسية، أو توجيه السب والشتم والتهديد سواء للطفل أو المسن أو المرأة. والإجراءات التي تتبناها الإمارات في هذا المجال تتماشى مع ما هو مطبق في المجتمعات المتقدمة، ويمكن أن يشار في هذا الشأن إلى تطبيق الدولة لمفهوم خدمة المجتمع كعقوبة يخضع لها المخالفون والقائمون ببعض ممارسات العنف الأسري، ولاسيما التي لم تصل إلى حد الضرر الجسدي، ويشمل هذا الأسلوب إلزام المخالف بحضور جلسات توعية وتأهيل وبرامج علاج نفسي وتربوي، أو إخضاعه لفترة مراقبة قانونية لرصد أي سلوكيات عنيفة قد يرتكبها، لرصد مدى التزامه بالأخلاقيات السوية، أو تنفيذ أعمال تطوعية في مؤسسات اجتماعية، وهذا أسلوب ناجح في ردع مرتكبي تلك المخالفات في الدول المتقدمة. إن المجتمع الإماراتي ينبذ كل سلوك ينجم عنه أي ممارسات مهينة وغير إنسانية، وتبتعد عن القيم والأخلاق الإماراتية الأصيلة، ونهجه يحفظ في الوقت نفسه حق كل فرد من المجتمع، ولذا فإن من الواجب معالجة هذه السلوكيات بما يتوافق مع طبيعة هذا المجتمع وخصوصيته، وهو النهج الذي تلتزمه الدولة في جميع ممارساتها.