عقد قادة دول مجلس التعاون الخليجي قمتهم الخامسة والثلاثين في الدوحة يوم الثلاثاء 9 ديسمبر 2014، وسط تحديات كثيرة وتوجسات متنوعة. وكانت لدى البعض مخاوف من عدم عقد القمة، أو تدني تمثيل الدول فيها، لكن القمة حسمت الأمر وقطعت الطريق على المتشككين، فعادت عجلة التعاون إلى قضبانها المعتادة، وتلاقي القادة ورتبوا البيت الخليجي. ومن يقرأ البيان الختامي للقمة يشعر بحيوية الموضوعات التي تداولتها، وبمدى حرص الدول على بقاء مجلس التعاون قوياً ومترابطاً. لقد حسمت القمة النقاش فيما يتعلق بموضوع الاتحاد الخليجي الذي طرحه خادم الحرمين الشريفين، بالانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الوحدة، بإعطاء الموضوع مزيداً من الدراسة، وهذا ما عبرّت عن قطر والكويت في الجلسة الافتتاحية، إذ أن الظروف الحالية تستدعي المزيد من الدراسة لاستكمال استحقاقات الاتحاد، ووضع الأطر الضامنة لنجاحه. وقد أعطى قادة دول المجلس الجانب الأمني الأهميةَ التي يستحقها، لأن المنطقة مُحاطة بقلاقل ومخاطر كثيرة، خاصة إلى الجنوب في اليمن الذي يشهد اضطرابات عنيفة جراء بروز الحوثيين كقوة جامحة وقبلها نشاطات «القاعدة» الملاحقة دولياً، علاوة على فوضى «الحراك الجنوبي». هذا الثالوث الذي يعانيه اليمن قد تكون له انعكاسات خطيرة على بعض دول المجلس. وكان موقف القادة واضحاً بشأن الإرهاب، حيث «جدد المجلس الأعلى التأكيد على المواقف الثابتة لدول المجلس بنبذ الإرهاب والتطرف، بكافة أشكاله وصوره، ومهما كانت دوافعه ومبرراته، وأياً كان مصدره، وتجفيف مصادر تمويله. وأكد التزام دول المجلس بمحاربة الفكر الذي تقوم عليه الجماعات الإرهابية وتتغذى منه، باعتبار أن الإسلام بريء منه». وأيد البيان الجهود الدولية من أجل خلق بيئة ملائمة للعيش السلمي لجميع الشعوب، خصوصاً ما ورد في الاجتماع الإقليمي بشأن مكافحة الإرهاب، المنعقد بجدة في سبتمبر الماضي، وأيضاً نتائج المؤتمر الدولي لمكافحة تمويل الإرهاب المنعقد بالمنامة في نوفمبر، والذي حدد السبل والوسائل الكفيلة بالحد من ظاهرة الإرهاب. وقد حدد بيان القمة تنظيمي «داعش» و«النصرة» بالاسم، مطالباً بفرض عقوبات على الأفراد المرتبطين بهما. وإذا كانت قوات التحالف حتى اليوم لم تستطع وقف نشاطات التنظيمين، فإن ذلك يثير التساؤل حول حجم قوتهما ومصادر تمويلهما والخطط التي يستخدمانها لتنفيذ علمياتهما في العراق وسوريا! البيان أكد أيضاً مواقفه الثابتة الرافضة لاستمرار احتلال إيران جزر الإمارات الثلاث (طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبوموسى)، وأكد دعم حق السيادة لدولة الإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث، كما دعا إيران إلى التجاوب مع مساعي دولة الإمارات لحل القضية عبر المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى التحكيم الدولي. وقد تكرر هذا الموقف، مند قمة أبوظبي 1992 إلى قمة الدوحة 2014، بدعوة إيران للتجاوب مع الطروحات الإيجابية، التي قدمتها دولة الإمارات ومجلس التعاون، لكن الجانب الإيراني لم يقدم أي بادرة حسن نية لحل الخلاف! البيان لمسَ كذلك الأوضاع المأساوية في بعض الدول نتيجة لما سمي «الربيع العربي»، وأثر الفوضى وعدم الاستقرار فيها ومعاناة شعوبها، وطالب بعودة الأوضاع إلى طبيعتها وحماية مستقبل هذه الشعوب. كما أعلن البيان أن السلام الشامل والعادل والدائم في الشرق الأوسط لن يتحقق إلا بانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، طبقاً لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية. وعن العلاقات الخليجية المصرية، جدد المجلس دعم جمهورية مصر العربية وبرنامج الرئيس عبدالفتاح السيسي المتمثل في خارطة الطريق، مؤكداً دور مصر العربي والإقليمي لما فيه خير الأمتين العربية والإسلامية. السياسة فن الممكن، ونأمل أن تجد تلك القرارات طريقها للتنفيذ، لما فيه خير وأمن ورخاء الإقليم. ------------------- أكاديمي وإعلامي قطري