تصيب الأمراض السرطانية بأنواعها المختلفة، قرابة الـ13 مليون شخص سنوياً، يلقى 8 ملايين منهم حتفهم تقريباً، وهو ما يجعل هذه الطائفة من الأمراض مسؤولة عن 13 بالمئة من مجمل الوفيات البشرية، حيث تحتل الأمراض السرطانية رأس قائمة الوفيات بين شعوب دول العالم الصناعية والغنية، والمرتبة الثانية على قائمة الوفيات بين شعوب دول العالم الفقيرة والنامية، والتي تقع بها أساساً أكثر من نصف حالات الإصابة. ومن بين أنواع السرطان المختلفة، يعتبر سرطان الرئة مسؤولاً -دون منازع- عن العدد الأكبر من الوفيات السنوية (1?4 مليون)، يليه سرطان المعدة (740 ألفاً)، ثم سرطان الكبد (700 ألف)، ثم سرطان القولون والمستقيم (610 آلاف)، ثم سرطان الثدي (460 ألفاً). ويعتمد علاج الأمراض السرطانية - سواء بهدف الشفاء التام، أو مجرد تخفيف الآلام والمعاناة - على طرق وأساليب عدة، بعضها تقليدي مثل الجراحة، والعلاج الكيماوي، والعلاج الإشعاعي، وبعضها حديث نسبياً، مثل العلاج الهرموني، والعلاج البيولوجي الموجه، أو العلاج المناعي، بالإضافة إلى ما يعرف بالعلاج أو الرعاية التلطيفية، في الأسابيع والشهور الأخيرة من حياة الميئوس من شفائهم. ويعتمد العلاج المناعي في أساسه، على توظيف وتحفيز جهاز المناعة في مكافحة الخلايا السرطانية، وينقسم إلى ثلاثة أنواع؛ النوع الأول يعتمد على الخلايا، والنوع الثاني يعتمد على الأجسام المضادة، أما النوع الثالث فيعتمد على نوع خاص من البروتينات (Cytokines). وتستغل هذه الأنواع الثلاثة، حقيقة أن الخلايا السرطانية، توجد على أسطحها جزيئات مختلفة بقدر طفيف، عن تلك الموجودة على أسطح الخلايا السليمة، وهي الجزيئات التي يمكن لجهاز المناعة تمييزها. وتعرف هذه الجزيئات، والمكونة أساساً من بروتينات، وأحياناً من بعض الكربوهيدرات، بمولدات المضادات (Antigens)، أي الجزيئات التي تدفع الجسم لخلق وتوليد أجسام مضادة. وإذا ما تم تدريب، وتحفيز جهاز المناعة ضد تلك الجزيئات، فسيقوم حينها بمهاجمتها، وتدمير الخلايا المحتوية عليها، أي الخلايا السرطانية، ومن ثم قتل تلك الخلايا. أحد التطبيقات الحديثة لهذه الفكرة، والتي لا تزال في طور التطوير، هو ما يعرف بالتطعيمات العلاجية ضد السرطان، والتي تستخدم لعلاج الأشخاص المصابين فعلاً بالسرطان، أو لوقاية الأشخاص المعرضين بشكل كبير لعوامل خطر محددة للإصابة بالسرطان. وتختلف هذه الفئة من التطعيمات عن التطعيمات الوقائية ضد السرطان، التي تستخدم لمنع العدوى بفيروسات أو بكتيريا، معروف عنها تسببها لاحقاً في الإصابة بالسرطان، إذا ما تعرض الشخص للعدوى بها. مثل التطعيم ضد فيروس الثآليل الجنسية، المعروف عنه تسببه في الإصابة بسرطان عنق الرحم، أو فيروس التهاب الكبد (ب)، والمعروف عنه تسببه في الإصابة بسرطان الكبد. أي أن تلك التطعيمات، توجه نحو الفيروس أو البكتيريا، وبالتالي تمنع حدوث العدوى، ومن ثم تقي من الإصابة بالسرطان الذي ينتج من تلك العدوى. العلاج المناعي، المعتمد على الأجسام المضادة التي ينتجها جهاز المناعة ضد الخلايا السرطانية، يعتبر أكثر أنواع هذا الأسلوب نجاحاً، وأكثرها تطبيقاً ضد أنواع مختلفة ومتعددة من الأمراض السرطانية. ويشهد هذا الأسلوب حالياً تطورات وقفزات هائلة، ربما كان آخرها منح هيئة الأغذية العقاقير الأميركية مؤخراً، صفة «اختراق علاجي» لأحد أنواعه (CAR T-cell Therapy)، وهو ما يسهل ويسرع من خطوات وإجراءات حصوله على الموافقة النهائية للاستخدام على البشر. ويؤمل أن يصبح هذا النوع من العلاج عن قريب، هو الخيار الأول لبعض أنواع أمراض سرطان الدم، مثل «اللوكيميا» الناتجة عن سرطان الخلايا الليمفاوية. ويأتي هذا التطور الأخير، بعد منح هيئة الأغذية والعقاقير هذا العام، الموافقة النهاية لنوعين آخرين من العلاج المناعي ضد الأمراض السرطانية، منها علاج مستخدم ضد سرطان الجلد، والذي حصل على الموافقة النهائية في شهر أكتوبر الماضي. ويظل أيضاً النوع الثالث من أنواع العلاج المناعي ضد الأمراض السرطانية، المعتمد على البروتينات خاصة سابقة الذكر، أو «السيتوكاين»، مثل «الإنترفيرون»، و«الإنترليوكنز»، من المجالات الواعدة مستقبلياً. فمادة «الإنترفيرون» مثلاً، التي يستخدمها الجسم ضد الفيروسات، تنتجها أيضاً بعض الخلايا الموجودة داخل الأورام السرطانية، وبالتالي يمكن الاعتماد عليها في تحفيز جهاز المناعة، ودفعه لمهاجمة الخلايا السرطانية، والقضاء عليها. وفي ظل مثل هذه الأفكار، والتطورات والاختراقات، أصبح الكثيرون يؤمنون بأن العلاج المناعي، سيصبح عن قريب، العمود الخامس، مع الجراحة، والعلاج الكيماوي، والعلاج الإشعاعي، والعلاج الهرموني، ضمن الأعمدة الرئيسية الخمس، التي سيعتمد عليها الطب الحديث مستقبلاً، في إنقاذ حياة الملايين من بين براثن الأمراض السرطانية. د. أكمل عبد الحكيم