تصاعدت منذ قيام ثورة 25 يناير -وبعد أن هدأت الأحداث الجسام التي حفلت بها المرحلة الانتقالية- الدعوات لأهمية تمكين الشباب وضعاً في الاعتبار أن هذه الشريحة العمرية المهمة تمثل حوالي 60% من السكان في مصر. ومن ثم يصبح من المنطقي يكون لهم دور بارز في خطط التنمية المستدامة فكراً وتطبيقاً وممارسة ومشاركة. غير أن هذه الدعوة المشروعة للمشاركة الشبابية الفعالة في خطط التنمية اختزلت بشكل بالغ الغرابة في ضرورة تعيين عدد من الشباب في كل وزارة ليكونوا معاونين للوزراء أو للمحافظين. وقد صدرت فعلاً قرارات بذلك تنظم في كل وزارة مسابقة لمن يريدون أن يصبحوا معاونين للوزراء. وفي تقديرنا أن هذه توجهات غير موفقة؛ لأن تمكين الشباب لا يمكن أن يتم بتعيين أربعة أو خمسة معاونين لكل وزير، وماذا عن بقية الجماهير الحاشدة من الشباب؟ وإيماناً منا في المركز العربي للبحوث والدراسات بالأهمية القصوى لتمكين الشباب، قررنا عقد مؤتمر لشباب الباحثين موضوعه «رؤية الشباب للمستقبل». ودعوناهم للتقدم ببحوثهم في أربعة محاور هي السياسة الداخلية والسياسة الخارجية والمشكلات الاقتصادية ومواجهة الإرهاب والقضايا الاجتماعية والثقافية. وقد تلقينا – كما ذكرنا في مقالنا الماضي- 75 بحثاً متنوعاً تم اختيار حوالي 30 بحثاً متميزاً منها للمناقشة في جلسات عامة، وتم الحوار حول بقية الأبحاث في ورشات عمل موازية. وقد أثرت سياسة تمكين الشباب في لقاء مجموعة من المثقفين مع الرئيس «عبد الفتاح السيسي»، وضربت مثلاً بالمؤتمر الذي نظمه المركز العربي للبحوث، وقدمت لسيادته توصيات المؤتمر الذي حرص أعضاؤه على أن تصل رؤاهم واقتراحاتهم للسيد رئيس الجمهورية. ومواصلة لجهود المركز العربي للبحوث قررنا تنظيم ندوة شهرية لحوارات الشباب تحت عنوان «منتدى الحوار الديموقراطي» بالاشتراك مع وزارة الشباب. ويبقى السؤال ما هي مفردات رؤية الشباب للمحاور المختلفة التي طرحت للبحث والنقاش؟ الإجابة تكمن أولاً في استعراضنا النقدي لتوصيات الشباب فيما يتعلق بالسياسة الداخلية. وما يلُفت النظر حقاً أن هذه التوصيات تعرضت لثمانية موضوعات بالغة الأهمية هي على التوالي مواجهة التطرف، وتعزيز المجتمع المدني، وأهمية تمكين الأحزاب السياسية للشباب، ومشاكل الشباب مع النظام السياسي الجديد بعد 30 يونيو، وتعزيز الوعي السياسي للشباب. ونريد اليوم أن نعرض لموضوعين هما رؤية الشباب المصري لمواجهة التطرف ولتعزيز المجتمع المدني. ومما لا شك فيه أن ظاهرة التطرف التي أدت صورته الدينية المتشددة إلى الإرهاب تمثل خطراً شديداً على الاستقرار السياسي من ناحية والسلام الاجتماعي من ناحية ثانية. ومن هنا أهمية معرفة رؤية الشباب لمواجهة التطرف، وخصوصاً لأن بعض الناشطين السياسيين في مصر بعد ثورة 25 يناير مارسوا صوراً متعددة من التطرف السياسي سواء في محاولاتها هدم مؤسسات الدولة وفي مقدمتها الشرطة والقوات المسلحة. أو في ممارساتها التمرد الفوضوي غير المسؤول في صورة مظاهرات غوغائية ترفع شعارات زاعقة لإثارة الشارع السياسي. وتتمثل رؤية شباب الباحثين لمواجهة التطرف في عدد من المقترحات الإيجابية التي تستحق التأمل. والتوصية الأولى تذهب إلى أهمية «خلق بيئة سياسية واجتماعية واقتصادية ونفسية حاضنة لقيم الابتكار والإبداع والنقد البناء والانفتاح العقلي واحترام الآخر، وطاردة لقيم التطرف والجمود والطاعة العمياء والانغلاق العقلي ومدعمة للتغيير المجتمعي الحقيقي القائم على رؤية مستقبلية إيجابية تضمن التعددية والتنوع وحرية الفكر والإبداع». ولو تأملنا بعمق هذه التوصية لأدركنا أن شباب الباحثين ببصيرة ثاقبة فهموا بعمق المرحلة الحضارية التي يمر بها المجتمع العالمي في الوقت الراهن، ونعني على وجه التحديد الانتقال من مجتمع المعلومات العالمي بما يتضمنه من شبكة إنترنت أصبحت تُكوِّن لأول مرة في تاريخ البشرية فضاء عاماً جديداً تتفاعل فيه الثقافات والمجتمعات والأفراد والجماعات بغير حدود ولا قيود، إلى مجتمع المعرفة الذي يميزه أساساً تصنيع المعرفة وتيسير تداولها للجماهير وهو مجتمع يقوم أساساً على الابتكار والإبداع. وهكذا حين تتحدث التوصية عن أهمية ترسيخ قيم الابتكار والإبداع والانفتاح العقلي واحترام الآخر، فمعنى ذلك أن الشباب الباحثين أدركوا روح العصر القادم الذي يقوم على التجدد المعرفي الدائم - تطبيقاً لمقولة إن التعلم عملية ينبغي أن تستمر طوال العمر - بالإضافة إلى تركيزهم على أهمية صياغة رؤية مستقبلية إيجابية تتضمن التعددية والتنوع وحرية الفكر والإبداع. كاتب ومفكر - مصر