كثير من الأميركيين سعداء بتراجع أسعار النفط، الذي يساعد المستهلكين، بينما يضر حكومات أخرى في الخارج. ورغم ذلك، تساور الأميركيين دائماً مخاوف، وما يشعرهم بالقلق في الوقت الراهن هو أن هذا التراجع من شأنه دفع الولايات المتحدة نحو دورة من الانكماش الاقتصادي. ولكن لا حاجة لمشاركتهم هذه النظرة التشاؤمية. فالانكماش ليس شيئاً ينبغي أن نخشاه! والمهم هو سبب تراجع أسعار النفط: فهل هو زيادة في الإنتاجية أم تراجع في النشاط الصناعي؟ وفي الحالة الثانية فقط يكون هناك خطر محدق ينبغي على مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) أن يحتاط له. وبالمثل، يمكن أن يكون ارتفاع أسعار النفط دلالة على تيسير السياسات النقدية بصورة مفرطة، ويمكن أن يشير أيضاً إلى تراجع في الإنتاجية. وكذا التغيرات في مستوى الأسعار، أو التغيرات المتوقعة فيها، يمكن بسهولة أن تفضي إلى تضليل البنوك المركزية. وقد كان الارتفاع الكبير في أسعار النفط، الذي نتج بشكل كبير عن تعطل الإمدادات، سبباً في قلق «المركزي الأميركي» من التضخم في عام 2008، الأمر الذي كان بدوره أحد أسباب تباطئه في مواجهة الأزمة المالية. وعندما انهار بنك «ليمان براذرز» في ذلك العام، كان البنك يخشى التضخم بدرجة جعلته يرفض في البداية خفض أسعار الفائدة. بيد أن الهبوط الحالي في أسعار النفط يُحدث تحيزاً في الاتجاه المغاير. فهو يثير المخاوف من الانكماش ويدعو لتخفيف السياسات النقدية. ورد الفعل هذا من المستبعد أن يكون كارثياً بدرجة أكبر من خطأ عام 2008. ولكنه لا يزال خطأ. فلو أن توقعات التضخم تشير إلى التراجع لأن الأسواق تتوقع أن ينتهج البنك المركزي سياسات نقدية متشددة خلال العقد المقبل، أو تتكهن بكساد طويل، فهو سبب لتخفيف السياسات النقدية. أما إذا كانت التوقعات تشي بتراجع التضخم لأن الأسواق تترقب وفرة في الطاقة، فإن ذلك سبب للاحتفاء. ورغم ذلك، هناك أمران تجدر ملاحظتهما. الأول أن تراجع أسعار النفط لا يبدو أنه يعكس أي ضعف في الاقتصاد الأميركي، لكن تباطؤ الاقتصادات في الخارج قد تكون من عوامل هذا التراجع. وذلك مدعاة لتغيير السياسات النقدية وتخفيف قيودها في تلك الاقتصادات وليس في الولايات المتحدة. والأمر الثاني هو وجود وجهة نظر منطقية تقول إن السياسات النقدية الأميركية تكاد تكون متشددة بغض النظر عن تراجع أسعار النفط. وإذا كان ذلك صحيحاً، لابد من بعض الضغط لتخفيفها، وإذا كان هذا الضغط سيرتكز على قلق خاطئ، فربما لا تكون نتيجته سيئة. ـ ـ ـــــ راميش بونورو محلل اقتصادي أميركي يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»