قبل أكثر من ثماني سنوات، وافق البيت الأبيض والكونجرس على منح حق الحصانة من التهم الجرمية ورفض الدعاوى القضائية ضد أولئك الذين تكفلوا بتعذيب المعتقلين ضمن برامج الاستنطاق القسري. وسمح هذا القرار بحماية موظفي وكالة المخابرات المركزية ووزارة الدفاع الذين شاركوا في تنفيذ تلك البرامج التي أجازتها إدارة بوش الابن بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. وضَمَن كل من «قانون معاملة المعتقلين» لعام 2005 و«قانون اللجنة العسكرية» لعام 2006، تأمين التكاليف المالية القانونية وأجور المحامين للدفاع عن الموظفين المكلفين بالاستنطاق القسري خلال الفترة التي سبقت صدور القانونين المذكورين والممتدة بين سبتمبر 2001 وشهر ديسمبر 2005. وتمت إجازة القانونين المذكورين عقب الكشف عن سوء المعاملة التي يلقاها المعتقلون في سجن أبوغريب العراقي. وكان الهدف من إصدارهما إنشاء لجنة عسكرية تتكفل بمعاملة معتقلي سجن خليج غوانتامو في كوبا، بالإضافة لنحو 600 معتقل ينتظرون المحاكمة تمهيداً للإفراج عنهم. وقبل عشر سنوات، عندما كانت أحداث سبتمبر لا تزال ماثلة في العقول، وعندما كان الخوف من تكرار الهجمات الإرهابية لا يزال يشغل بال الأميركيين، سمحت بعض المعايير والإجراءات الاستثنائية الأولية التي وضعتها إدارة بوش باستخدام تقنيات الاستنطاق القسري ضمن نطاق محدود. ولم تتأخر وكالة المخابرات المركزية ووزارة الدفاع عن استخدام تلك التقنيات في أفغانستان والعراق وفي سجن خليج غوانتانامو. وفي وزارة الدفاع، التي تورطت في حرب أفغانستان، طلب من المحامين في مكتب «المجلس القضائي العام» في ديسمبر 2001، المساعدة على إقامة منشآت خاصة لاحتجاز المعتقلين واقتراح الأساليب الملائمة لاستلام المعتقلين الجدد. وتكفلت إحدى الوكالات المختصة التابعة لوزارة الدفاع بتدريب الموظفين الأميركيين على تركيب تقنيات الاستنطاق القسري التي كانت تعتبر غير قانونية وفقاً لمعاهدتي جنيف. وكانت هذه التقنيات تمثل جزءاً من برنامج يتضمن تعرية المعتقلين، وتعليقهم أو ربطهم بوضعيات مجهدة، ومنعهم من النوم، وتعريضهم لسماع موسيقى صاخبة، وإشعال وإطفاء الأضواء الساطعة بشكل متكرر، وتعريضهم لدرجات حرارة شديدة الارتفاع أو الانخفاض، وضربهم في مناطق مختلفة من أجسادهم. وفي يناير 2002، قدم خبيران متقاعدان في القوات الجوية متخصصان بعلم النفس العسكري، تقريراً لمسؤولي «البنتاجون» حول روح المقاومة لدى منتسبي تنظيم «القاعدة» والطرق الملائمة لكسرها. وقد أصبح هذان الخبيران مشاركين مهمين في وضع برنامج وكالة المخابرات المركزية للاستنطاق القسري، وهما «جيمس ميتشيل» و«بروس جيسون». وفي فبراير 2002، ذهب بوش الابن إلى أبعد من ذلك عندما أعلن أن معاهدتي جنيف اللتين تحظران تعذيب سجناء الحرب، لن يتم تطبيقهما على معتقلي «القاعدة» و«طالبان». وبدأ الرأي العام الأميركي والعالمي يبدي قلقه من انتشار ظاهرة التعذيب في المعتقلات والسجون الأميركية. وفي 22 يناير 2002، بعد وصول أول معتقل إلى غوانتانامو، ظهر الرجل وهو يعتمر قلنسوة ومكبّل اليدين والقدمين، وحيث يجبر على الجثو على ركبتيه لفترة طويلة. وقال وزير الدفاع دونالد رامسفيلد في معرض تعقيبه على الضجيج الإعلامي الذي أثارته تلك المشاهد: «لقد اضطلعت على عناوين ومقالات صحفية تتحدث عن التعذيب وبعض الممارسات الأخرى، وهي جميعاً هراء وكلام بلا معنى». وقال رامسفيلد لصحفيي «البنتاجون»: «أنا أجزم لكم بأن السياسات كافة التي تتبناها حكومة الولايات المتحدة إنسانية، وبأن الطرق والأساليب المعتمدة في التعامل مع المعتقلين إنسانية أيضاً». لكن الشيء الذي لم يتم الكشف عنه في ذلك الوقت وفي السنوات التي تلته، هو أن وزارة الدفاع ووكالة المخابرات المركزية كانتا تتبنيان بالفعل برنامجاً لاستخدام تقنيات الاستنطاق القسري للمعتقلين. ولا تقتصر عناصر البرنامج على خرق معاهدتي جنيف بشأن التعامل مع أسرى الحرب، بل تخالفان القانون الأميركي ذاته والذي يعتبر ممارسة المواطنين الأميركيين لأعمال التعذيب جريمة. وحتى تُجنّب موظفيها مشاكل الملاحقات القانونية، سعت وكالة المخابرات المركزية لطلب الضمانات القانونية من البيت الأبيض التي تذكر بصريح العبارة أن ممارساتها هذه تعتبر مشروعة ولا تتناقض مع القوانين السارية المفعول. ولم تبدأ بتطبيق تقنيات التعذيب والاستنطاق القسري إلا بعد أن تلقت الموافقة الشفهية على طلبها من وزارة العدل في الأول من أغسطس 2002. ثم ما لبثت أن حصلت على الموافقة المكتوبة في سبتمبر من ذلك العام. ـ ـ ــ ـ ـ والتر بينكوس محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»