أضحت أوكرانيا الآن قوية بما يكفي كي تأخذ بزمام المبادرة لوقف إطلاق النار بشكل دائم في حزام دونباس التابع لها، والذي تحتله حالياً روسيا ووكلاؤها. وربما تكون روسيا ضعيفة الآن بما يكفي كي تقبل ذلك. والمؤكد أن استمرار حالة الحرب الدائمة مع روسيا من شأنه الإضرار بالديمقراطية والاقتصاد والأمن في أوكرانيا. ويبدو أن المد الآن انقلب لصالح أوكرانيا، لاسيما أن الجيش الأوكراني بات قادراً على صدّ الهجمات اليومية من جانب القوات الروسية. وتمخضت الانتخابات البرلمانية الأوكرانية في أكتوبر الماضي عن أغلبية مؤيدة للغرب، ويبدو أن حكومتها التكنوقراطية تتجه نحو إصلاحات جذرية. وخلافاً لذلك، يعاني الاقتصاد الروسي من اضطرابات عميقة بسبب هبوط أسعار النفط وأثر العقوبات. وقد قتل كثير من الروس أثناء القتال في حزام دونباس، وأضحى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في عزلة دولية متزايدة. ويتجادل المفكرون الغربيون بشأن ما إذا كانت المشكلات التي تواجهها روسيا ستجعلها أكثر ميلا للتسوية السياسية في أوكرانيا أم أكثر عدوانية. بيد أن هذا السؤال لا تنبغي الإجابة عليه في نقاش، وإنما يتعين إخضاع النوايا الروسية للاختبار. ويمكن أن تجري أوكرانيا هذا الاختبار بطريقة تمكنها من الحفاظ على قاعدتها السياسية القوية، بينما تعزز أمنها وآفاق إصلاحها الاقتصادي. لكن في البداية، يجب أن تقبل أوكرانيا بعض الوقائع غير المريحة. فلا شبه جزيرة القرم ولا أي من المنطقتين الانفصاليتين المؤيدتين لروسيا في حزام دونباس ستعود إلى أحضان أوكرانيا قريباً؛ ذلك أن كييف تفتقر إلى الموارد العسكرية والمالية اللازمة لاستعادتهما، وأي تحرك لفعل ذلك لن يلقى دعماً غربياً، بل قد يقوض الدعم الأميركي والأوروبي لأوكرانيا. لذلك يتعين على كييف التعامل كما لو أن تلك المناطق الشرقية المنفصلة لم تعد جزءاً من أوكرانيا. وهي تبدأ تنفيذ ذلك بالفعل كما اتضح من قرارها الأخير بإنهاء الإعانات والمعاشات ورواتب المتقاعدين والخدمات البريدية والبنكية إلى دويلات «دونباس». ورغم ذلك، لا ينبغي أن تعترف كييف بأن هذه المناطق باتت تابعة لـ«روسيا»، فذلك سيكون انتحاراً سياسياً للحكومة الجديدة التي تواجه عدداً من التحديات، وسيكون هدية مجانية لروسيا. كما أنه لا ينبغي على كييف قول أي شيء يحدد الوضع النهائي لهذه الأراضي. وبدلا من ذلك ينبغي لها أن تحافظ على خياراتها المستقبلية مفتوحة، بينما تتخلى عن مسؤولية الإعاشة الاقتصادية لهذه المناطق لروسيا. واتباع سياسة النأي بالنفس عن القرم وجيب دونباس من شأنه أن يفيد أوكرانيا، لأن هذه المناطق كانت معارضة للإصلاح والغرب وموالية لروسيا منذ استقلال أوكرانيا، والتخلي عنها سيجعل الإصلاح في أوكرانيا ممكناً ويحرم روسيا من وسائل مهمة للتدخل في السياسة الأوكرانية. لذا فإن ما يبدو خسارة هو في الواقع مكسب. وقد تراجع الإنتاج الصناعي في حزام «دونباس» بنسبة 80 بالمئة، وتضررت مناجم الفحم والمصانع والبنية التحتية بشكل كبير. وسيكون من الحكمة أن تدع كييف روسيا تتحمل عبء إعادة بناء المنطقة. وبمجرد أن تقبل كييف ذلك الواقع الصعب بشأن القرم ودونباس، لابد أن تقدم لروسيا خطة سلام قابلة للتنفيذ خاصة بـ«دونباس»، إذ إن استمرار الصراع قد يفجر حرباً واسعة النطاق، على أن تشمل الخطة أربعة عناصر أساسية هي: إنشاء «منطقة خالية من القوات» بطول ثلاثين ميلا، نصفها في الغرب ونصفها الآخر في شرق خط القتال الحالي؛ وإدخال قوات حفظ سلام تقررها الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا؛ وإعلان انسحاب رمزي من مناطق محددة، دون أن يشمل أية أصول مهمة؛ وأخيراً تعهد أوكراني يستمر خمسة أعوام بعدم الانضمام إلى «الناتو». وإذا تم قبول الخطة، وبدأ تنفيذها، فإن المكاسب بالنسبة لأوكرانيا ستكون واضحة، فهي تقلص فرص تصعيد الأعمال العدائية في الشرق، وتختبر نية روسيا بشأن السلام، وتنشئ بيئة خصبة بصورة أكبر للإصلاح الاقتصادي. وإلى ذلك، سيجعل التخلي عن عضوية «الناتو» في الوقت الراهن الخطة جذابة لروسيا من دون التضحية بأي شيء ذي قيمة لكييف، مع الأخذ في الحسبان أن الحلف لن يقبل أوكرانيا قريباً، كما أن رغبته في الدفاع عنها موضع شك. ----------------------- راجان مينون وألكساندر موتيل يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»