دولة الإمارات العربية المتحدة الآن تعدّ واحدة من الدول ذات الدور المحوري في إدارة العديد من القضايا الاستراتيجية الدولية، وذلك عبر التوظيف الأمثل لمواردها الطبيعية ولإمكاناتها الاقتصادية والجيوسياسية والثقافية. وقد كانت احتياطياتها النفطية الكبيرة مدخلاً بالنسبة إليها للعب دور محوري على خريطة الطاقة العالمية، عبر تطوير طاقتها الإنتاجية النفطية إلى أن أصبحت واحدة من منتجي النفط ومصدِّريه الرئيسيين في العالم، بل إن الاستمرار في تطوير قدراتها النفطية سمح لها بالاحتفاظ بهذه المكانة المميزة على مدار العقود الماضية. تزايدت أهمية دور دولة الإمارات العربية المتحدة في قطاع الطاقة العالمي مع انضمامها إلى عضوية منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك»، فقد أضحت من خلال ذلك مشاركِة بفاعلية في صياغة سياسة الطاقة العالمية ودعم أمن الطاقة حول العالم. حيث سمح لها انضمامها إلى «أوبك» بتنسيق سياساتها النفطية مع باقي الدول الأعضاء، فساعدها ذلك، وكذلك جميع الأعضاء، على تحقيق أهدافها الوطنية في مجال الطاقة من ناحية، وعلى زيادة فاعلية دورها ومساهمتها في تحقيق أهداف أمن الطاقة العالمي من ناحية أخرى. ولم تركن دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الدور النفطي فقط، لكنها ومن قبيل تطوير دورها في مجال الطاقة العالمي، ومنذ سنوات طويلة، تبنّت سياسات وإجراءات تُفضي إلى تنويع مصادر الطاقة الخاصة بها، فعمدت إلى الاستثمار في مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة، وتُعتبر الآن واحدة من أكثر دول العالم استثماراً في القطاع، فتمكنت بفضل ذلك من توسيع قدراتها الإنتاجية في مجال توليد الطاقة الكهربائية عبر المصادر المتجددة، وهي تمتلك الآن أكبر مدينة في العالم تعتمد على الطاقة الشمسية، وهي مدينة «مصدر»، ولديها كذلك أكبر محطة للطاقة الشمسية المركّزة في العالم، وهي محطة «شمس 1». وبالتوازي مع ذلك، تقوم الإمارات الآن بإنشاء برنامج وطني للطاقة النووية للاستخدامات السلمية، كمسار آخر تتبعه في إطار تنويع مزيج الطاقة الخاصة بها. هذه الأبعاد المتعددة لسياسات الطاقة لدولة الإمارات العربية المتحدة، امتزجت بأبعاد عالمية، من خلال مشاركتها في تنفيذ العديد من مشروعات الطاقة المتجددة في العالم، كمشروع «مصفوفة لندن» لطاقة الرياح في بريطانيا، ومشروعات أخرى متعددة في كل من إسبانيا وموريتانيا ودول أخرى حول العالم، مما أضفى على دورها في مجال الطاقة المزيد من العمق والاتساع والأهمية. وقد جاءت استضافتها للمقر الدائم للوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»، لتمثل تكليلاً لجهودها الدولية الحثيثة في هذا الإطار، ولتسطّر عنواناً جديداً في مسيرتها، وخصوصاً أنه دلّ على أمور عدة مهمة، هي: أولاً، سلامة النهج الوطني في مجال الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة، فهذا النهج اتسم بالكفاءة والتخطيط السليم والقدرة على مواكبة التطورات العالمية والمنافسة في الأسواق العالمية، بالقدر الذي استطاع تحويل الإمارات إلى دولة مساهمة، بل ورائدة في مجال رسم السياسة العالمية في قطاع الطاقة المتجددة. ثانياً، أن الدور الإماراتي على خريطة الطاقة العالمية يعتمد الآن على محورين متوازنين: أحدهما يتمثل في إنتاج وتصدير الطاقة الهيدروكربونية، والآخر يتمثل في إنتاج الطاقة المتجددة محلياً وعالمياً، وهو ما يجعل هذا الدور أكثر قدرة على الاستدامة مما كان عليه في الماضي. ـ ـ ـ ـ ـ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.