الديمقراطية تتراجع على امتداد العالم، والإنفاق الأميركي عليها تقلص 28 بالمئة أثناء رئاسة أوباما، ويبلغ الآن أقل من ملياري دولار سنوياً. والتقلص شديد في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التي تقدم القسط الأكبر من مساعدات أميركا للديمقراطية. وقد انخفض الإنفاق في كل منطقة متلقية للمساعدات، والانخفاض الأكبر كان في الشرق الأوسط (72 بالمئة)، بينما تحاول بلدان عربية التحول نحو الديمقراطية. وفي أفريقيا بلغ الانخفاض 43 بالمئة ليصبح المبلغ 80 مليون دولار فقط. وعموماً، انخفض عدد الدول التي تدير فيها الوكالة برامج مكرسة للديمقراطية من 91 إلى 63 دولة. ولفهم مدى تواضع الالتزام الأميركي بدعم الديمقراطية عالمياً، علينا أن نعرف أنه في السنة المالية 2014 بلغ إنفاق الوكالة الأميركية على الديمقراطية وحقوق الإنسان والحكم الرشيد 860 مليون دولار، باستثناء العراق وأفغانستان وباكستان. وهذا أقل مما ينفقه مواطن أميركي واحد هو جورج سوروس سنوياً لدعم المجتمع المفتوح على مستوى العالم! والمساعدات ليست الوسيلة الأميركية الوحيدة لدعم الديمقراطية؛ فالمهارات الدبلوماسية في حسم المشكلات الانتخابية، ودعم الزعماء الواعدين المؤيدين للديمقراطية، ومعاقبة الزعماء الفاسدين غير الديمقراطيين.. تحقق الكثير أيضاً. لكن مساعدات دعم الديمقراطية تلعب دوراً متميزاً. فما سبب التقلص الكبير في مساعدات الديمقراطية؟ إنه ليس نتيجة تقلص أوسع نطاقاً للإنفاق الأميركي على المساعدات الأجنبية، والتي ظلت كبيرة إجمالا، بل هو خيار سياسي يعكس الشك في الجدوى النسبية للديمقراطية لدى كبار مسؤولي المساعدات الأميركيين، وأيضاً صمت فريق السياسة الخارجية لأوباما عن دعم بناء الديمقراطية. وبينما تعصف عدة حروب أهلية بالشرق الأوسط، قد يكون من المغري الاعتماد على الأصدقاء السلطويين لمواجهة التحديات الأمنية لأميركا. لكن مشكلات الحكم والأوضاع الاجتماعية السياسية لدى بعض الحكومات العربية هي التي أنتجت الصراعات المجتمعية والتطرف الحالي. وفي أوكرانيا، أدى الفشل في إرساء حكم القانون وترسيخ الديمقراطية إلى انهيارات سياسية دورية وفساد متوطن وقابلية للتدخل الروسي. وفي غرب أفريقيا، أوجدت عقود من حكم الطغاة المراوغين الذين لم يعبؤوا ببناء المؤسسات الأساسية، تركةً من ضعف الدولة هناك جعلتها غير قادرة على التصدي لتفشي وباء إيبولا. ورغم انزعاجنا مما قد تبدو عليه ديمقراطيتنا في الداخل، فإن مجتمعنا يتمتع بنظام سياسي مفتوح قائم على المحاسبة وحكم القانون. وما زالت هذه الصيغة صحيحة في سعينا لتحقيق الاستقرار والأمن خارجياً. توماس كاروزرس ----------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»