أصبح مصطلح المصالحة العربية أكثر المفردات السياسية تداولاً في وسائل الإعلام العربية خلال الفترة الأخيرة. فما أن انعقدت قمة الرياض الاستثنائية والتي شهدت المصالحة بين قطر والدول الخليجية الأخرى، حتى بدأ بعض المحللين والإعلاميين يتحدثون عن احتمالات حدوث مصالحة قطرية مصرية. وباعتبار أن الثقل السياسي العربي حالياً يتركز في الخليج، إذ إن لدى هذه الدول القدرة على التأثير إيجاباً في باقي العلاقات العربية، فقد شهدنا تحركات سياسية عربية تشير إلى الرغبة في إحداث «اختراقات» دبلوماسية عربية انطلاقاً من دول الخليج. إزاء هذا المشهد السياسي العربي فاجأتنا الدبلوماسية السعودية -قبل يومين- بنجاحها في إنهاء الخلاف القطري المصري العميق، والذي جاء كأحد «ارتدادات» ما يعرف إعلامياً بـ«الربيع العربي»، خاصة بعد ثورة 30 يونيو 2013 التي شهدت عزل مرسي من الرئاسة. وإزاء ذلك انفتح أيضاً الحديث حول الأطراف المستفيدة من استمرار الخلافات العربية، لذلك لا تبدو مستغربَةً ردود الفعل العربية التي رحبت بهذه الخطوة التي يمكن وصفها بالاستراتيجية، نظراً لأهميتها من ناحية حساسية الزمن الذي يمر به العالم العربي. هناك رغبة عربية سياسية وشعبية في تخطي «المطبات السياسية». ليس فقط لأن الشعوب أصابها الملل نتيجة لتكرار الخلافات، ولكن لأنها تسببت في إحداث الكثير من الشروخ في المواقف العربية وفي توالد العديد من المشاكل الأمنية والاجتماعية، بل أنها في حالة استمرارها قد تؤدي إلى دخول مستقبل المنطقة بأكملها في نفق غامض، لاسيما أن إيران باتت تتمدد أكثر في الدول العربية، وكذلك تركيا التي عرف عنها دعم مواقف تيار «الإخوان المسلمين» تعمل هي أيضاً على التدخل في الدول العربية.. وبالتالي فعلى الجميع تحمل التكاليف الاستراتيجية لتلك الاختلافات. وإسرائيل تستفرد بالشعب الفلسطيني. دبلوماسياً، هذه اللحظة المناسبة لتصحيح مسار العلاقات العربية على اعتبار أن هناك حاجة ملحة لعدم ترك الأجواء المشحونة لأنها تسببت في فقدان المزيد من النفوذ العربي في المحيط الإقليمي، واستطاع الآخرون سد الفراغ السياسي العربي لمصلحتهم. ومع هذا الاختراق الدبلوماسي السعودي، هناك عدد كبير من المتابعين يرون أن هذه العلاقات على أعتاب مستقبل واعد، لكن عدداً آخر يعتقد أن ترسبات العلاقات قد تكون باقية في نفوس الشعوب وبالتالي يحتاج الأمر إلى بعض الوقت، خاصة وأن الإعلام لعب دوراً في ذلك. اللوم الأكبر يقع الحملات الإعلامية المتبادلة بين البلدين، وبصفة خاصة قناة «الجزيرة» التي مثلت في فترة دور «الذراع الإعلامي» لتيار «الإخوان المسلمين». بل تعامل بعض الإعلاميين مع هذا الاختلاف السياسي وكأنه «حرب» لابد من منتصر فيها وخاسر، ولم يعط بعضهم لنفسه فرصة لإمكانية تجاوز الحالة، بل عمل على تعميق الهوة بين البلدين وعلى مستوى الشعوب. لكن ما نراه اليوم هو أن هناك رغبة حقيقية لإنهاء حالة القطيعة، لأن هناك ما هو أكبر من الخلاف بين البلدين خاصة وأنه من الواضح أن هناك تحركات إقليمية أوسع من أجل ترميم العلاقات العربية العربية بعدما رأينا تحركات رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. لذا، يعتقد المراقبون أن هناك موضوعين اثنين ينبغي حصول تغيير فيهما؛ الإعلام باعتباره أحد الأطراف التي أدارت الخلافات العربية، خاصة قناة «الجزيرة»، وهناك تأكيد مصري بأن القناة غيرت بعض المفردات كبادرة لحسن النية القطرية، مثل اعتبار مرسي «الرئيس المعزول» بدلا من الرئيس المنتخب. الموضوع الآخر هو التنسيق السياسي الإقليمي؛ فالأولى إقليمياً أن يتم داخل البيت العربي كونه المرجعية لأولى لقطر وعدم التركيز على الحليف التركي الباحث عن دور له في الدول العربية مثله مثل إيران. ما خبرنا من نتائج الخلافات العربية أنها عادة ما تتسبب في عجز العمل العربي المشترك أو في ترك فراغات سياسية تستفيد منها القوى الإقليمية، وبالتالي فإن طي هذه الصفحة أو «تجفيف» منابعها بات خياراً عربياً استراتيجياً. من خلال ما يتم على الأرض، هناك إرادة سياسية عربية عامة راغبة في إصلاح العلاقات العربية، لأن المعاناة شملت الجميع ولم يكن هناك استثناء لأحد. وإذا كانت هناك سياسة قطرية تؤكدها بعض الخطوات العملية في «تصفير» مشكلاتها مع العرب، فإن ما نراه في الجهة المقابلة يؤكد أنه لا فائدة من البقاء في أن نكون أسيري عقدة الخلافات السياسية.