على مدار أكثر من نصف قرن، كانت العداوة مع الولايات المتحدة جزءاً لا يتجزأ من الهوية السياسية الكوبية. وكتب فيدل كاسترو في عام 1961، «إن الثورة التي لا تتعرض لهجوم لم تكن ثورة حقيقية من البداية، والثورة التي لا يكون لها عدو يواجهها عرضة لخطر إخماد جذوتها». وعليه، كانت لكوبا حاجة وجودية ـ على الأقل في ذهن كاسترو ـ لتصبح الولايات المتحدة عدوتها. وعلى مدار السنين، ساعدت مواجهة واشنطن الموقف الكوبي الخاص في العالم ومكنت الحكومة في هافانا من تبرير كل شيء بداية من قمع الحريات السياسية إلى نقص السلع الاستهلاكية. وقد كان ذلك الموقف إجبارياً، بدرجة جعلت القيادة الكوبية في تناقض عميق بشأن التقارب مع الولايات المتحدة، رافضة دعاوى الانفتاح التي تعود إلى إدارتي "فورد" و"كارتر"، وفي الحقيقة، جاء اعتقال النظام في هافانا لعالم التطوير الأميركي "ألان جروس" في نهاية عام 2009 بعد أشهر قليلة من إعلان الرئيس باراك أوباما عزمه خوض «بداية جديدة» مع كوبا. وبعد يوم واحد من تخفيف أوباما قيود التحويلات والسفر بين الولايات المتحدة وكوبا، في أبريل من ذلك العام، اختار كاسترو تكريس مقاله المنتظم للذكرى السنوية، التي وافقت ذلك الأسبوع، لغزو «خليج الخنازير» الذي أدراته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في عام 1961. وقال كاسترو: «ذلك التاريخ لا يُنسى»، مع إشارة مقتضبة لإعلان أوباما. وعندما رحب أوباما بزملائه من رؤساء الدول في قمة الأميركيتين ذلك الشهر، اشتكى "كاسترو" من أن الرئيس الأميركي الشاب بدا «مختالاً». ووضع إلقاء القبض على «جروس» نهاية لـ «البداية الجديدة» خلال السنوات الخمس التالية. ولكن "فيدل" كان واضحاً بغيابه خلال الأسبوع الماضي. ومع رفض أوباما لعقود من السياسات الأميركية، يبدو أنه استنتج أن لعب دول العدو لم يكن يخدم المصالح الوطنية الأميركية أو يعزز الديمقراطية وحقوق الإنسان في كوبا. وكما يقول: «هناك حاجة إلى مسار جديد، فقد أظهرت السنوات الخمسون الماضية أن العزلة لا تجدي نفعاً». وبالطبع، خمسون عاماً من تعامل جميع الدول الأخرى على ظهر الكوكب مع كوبا لم تجد نفعاً. ويرجع نقص الحريات السياسية في كوبا إلى قوى داخلية: لا سيما القمع الشرس للأجهزة الأمنية الاستبدادية، وسحق أي مبادرة داخلية وانتشار المحسوبية التي نجمت عن سنوات من مشاهدة الامتيازات الرسمية تذهب أولاً إلى هؤلاء الذين يرغبون في اتباع أهواء الحزب الحاكم. وعلى رغم أن الزعماء الكوبيين حازوا ثناء دولياً بسبب برامجهم الخاصة بالتعليم والصحة العامة، إلا أن تلك الإنجازات تضاءلت بنجاحهم في سحق كافة أشكال المعارضة، في الداخل والخارج. ومع إعلان أوباما أن دفع كوبا نحو الانهيار لا يخدم المصالح الأميركية أو الشعب الكوبي، فإنه يضفي بذلك شرعية لطالما أنكرتها واشنطن على الحكومة الكوبية، التي لم تسمح بإجراء انتخابات ديمقراطية وكانت حليفاً رئيساً للأنظمة المارقة. وذكر أوباما أن الولايات المتحدة على استعداد للموافقة على مشاركة كوبا في قمة الأميركيتين في أبريل المقبل في بنما شريطة السماح بحضور ممثلين عن منظمات المجتمع المدني الكوبية. وذلك انتصار آخر لكوبا. فالموقف الأميركي السابق وكذلك مواقف الدول الأخرى المشاركة في تلك القمة منذ عام 2001، أن «الاحترام الصارم للنظام الديمقراطي» شرط للحضور. ----- توم جيلتين محلل سياسي أميركي ----- يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»