لم نفهم ونحن في مومباسا في إطار ندوة حول «علي مزروعي» وملاحظة هدوئها وتوافقاتها، لماذا يخصها العالم الآن بخاصية إرهابية متصاعدة، لتبقى نموذجاً لمشاكل «الإرهاب الإسلامي»، المدعوم بـ«شياطين الشباب» الصومالي! لكن جاء الجواب مع زخم الخطاب السلفي الذي تصاعد مؤخراً بحدة، إلى حد الجرأة غير المتوقعة على السلام السائد في الشريط الساحلي، وإذ بهؤلاء المتطرفين يقومون بقتل أكثر من ثلاثين كينياً في «مانديرا» شمال البلاد مؤخراً، كما تجرؤ الحكومة نفسها على إغلاق خمسة مساجد. اندهش الكثيرون من الباحثين المشاركين في الندوة من انتقال كينيا «الليبرالية» إلى هذه الأجواء بهذه السرعة. يُقال إن الغرب قد يكون متجهاً لدفع الرئيس الكيني إلى دخول «الحلف الدولي» لمواجهة الإرهاب! ويستدعي ذلك سيناريو متكاملا، حتى لو كانت قوى الفوضى المرتبطة بتنظيمات الإرهاب تتحرك بتلقائية أو حرية، خارج النص، فالمهم هو تكوين التحالفات الموالية الآن بقرارات أفريقية من داكار (قمة الفرانكفون) إلى قمة «الساحل والصحراء». والسيناريو لا يحتاج لتفكير عميق، فعقب انتخابات شهدت مذابح قبلية عام 2007، عمد الغرب إلى مصالحة المتصارعين في كينيا بسرعة ملفتة. ومع ذلك جرت مسألة تقديم الرئيس «أوهورو كنياتا»، للمحكمة الدولية برفق ملحوظ مراعاة للأهواء الدولية حول المذابح، وها هو يعفى منها رغبة في المحافظة على دور كبير لكينيا في القرن الأفريقي وشرقي أفريقيا، بل ومنطقة البحيرات الكبرى. لكن سرعان ما انطلقت رغبة الطبقة المحيطة بالرئيس في الانفراد بالسلطة واستخدام التحالفات الخارجية للتضحية بالتحالفات الداخلية التي قامت من أجل استقرار حقيقي في البلاد، خاصة مع دورها المتوقع لاحتواء جنوب السودان، والسيطرة على العملية الاقتصادية لاتحاد شرق أفريقيا، ومنظمة «الإيجاد»، مما كان يرشحها لموجة استقرار على نمطها الليبرالي الأفريقي المحدود، لكن الموقف أصبح آخذاً في التفجر بشكل آخر، إذ بدأت إغراءات الشركات الدولية تحتوي أجنحة مركزية في الحكم، متجهة لاكتشافات واسعة للبترول والذهب في شمال كينيا، واسع المساحة قليل السكان من أصل صومالي. تمثلت ضربة الرئيس الكيني لكل أطراف الصراع حوله بقرار مساعدة الدول الكبرى في مواجهة إرهاب «الشباب» الصومالي، الذي بدأ بإرسال القوات الكينية إلى جنوب الصومال بحجة حماية الشمال الكيني وثروته وعدم تشجيع الصوماليين على التحرك في المنطقة الشمالية لكينيا. ولم يقبل الصوماليون هذا الموقف بالطبع، وقد بدا مفاجئاً للجميع، ومغامرة غير محسوبة تنتمي إلى منطق البحث عن دور بحجة تحقيق الاستقرار، أو تأمين الثروات..الخ. ومع اشتداد مقاومة الصوماليين بالعمليات الإرهابية المدققة على أرض كينيا، كان لابد للنظام أن يضاعف من دوره في «مواجهة الإرهاب»، ويطرح نفسه للدخول بقوة في هذه الدائرة الجهنمية التي يمضي ترتيبها على أرض القارة الواسعة، وقدم الغرب إشارة الرضا بإعفاء الرئيس من عبء المحكمة الجنائية الدولية، فسارع الرئيس الكيني بالتقاط الثمرة، محولاً إياها لـ«طبخة» كاملة للموقف الداخلي، بالإعلان عن حملة حماية البلاد بـ«تعديل قانون الأمن»! يحد بتشدد من حرية الصحافة والتظاهر، ويعيد تنظيم العمل الأهلي بإعادة تقييم أكثر من خمسمائة جمعية أهلية متهمة بتمويل الإرهاب، ويواجه «مسلمي كينيا» بحملة اعتقالات ضد داعمي الإرهاب، والأخطر هو محاولة دمج دور للجيش في مهام الشرطة، والكثير من الإجراءات يصعب حصرها، ولكن رفضها أدى للعراك بالأيدي في البرلمان، لأن الرئيس لم يشأ مشاورة أي طرف في موضوع القانون. وبدأت قوى مدنية قضاة وقيادات سياسية عديدة تعبر عن سخطها، وتتجه المعارضة الرسمية وزعيمها للجوء للقضاء الدستوري، والتهديد بالتظاهر ضد أعمال العسف والعزل هذه التي تضع كينيا في مهب الريح . وبعد أحداث بوركينا فاسو والرأس الأخضر، وتظاهرات هنا وهناك في القارة، تساءل معلقون: هل تدخل كينيا أيضاً في إشارات الربيع الأفريقي؟!